وهذا الذي اخترناه موافق لما أفتى به مالك بن أنس رضي الله عنه في الموطأ: (الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله مسلم قتل غيلة، فيقتل به(١٣٠٩) وقتل الغيلة أن يضجعه فيذبحه، وبخاصة على ماله.
وهكذا فإن ملاحظة دناءة المقصد في القتل، واعتباره قرينة تدفع إلى تغليظ العقوبة منهج فقهي اعتمده الإمام مالك والليث بن سعد، وكلاهما من الجمهور، وذلك خلافاً لقاعدة تهم في اشتراط تكافؤ الدين بين القاتل والمقتول.
فقد أخرج أبو داوود والترمذي والنسائي عن علي رضي الله عنه أنه سئل: هل خصك رسول الله - ﷺ - بشيء؟ فقال: لا، إلا ما في هذا، وأخرج كتاباً من قراب سيفه، وإذا فيه (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد بعهده).
وقد عرض القاضي ابن العربي لهذه المسألة فقال: قوله تعالى:
﴿والعين بالعين﴾ قرئت بالرفع والنصب، فالنصب اتباع للفظه ومعناه، والرفع فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون عطفاً على حال النفس قبل دخول أن ـ والثاني: أن يكون استئناف كلام، ولم يكن هذا مما كتب في التوراة، والأول أصح (١٣١٠).
وكان ابن العربي قد بسط القول في رد اختيار الحنفية بشأن قتل المسلم بالكافر فقال: تعلق أبو حنيفة وغيره بهذه الآية، فقال: يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس بنفس قالت الشافعية: هذا خبر عن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.
وقلنا نحن له: هذه الآية، إنما جاءت للرد على اليهود في المفاصلة بين القبائل وأخذهم من قبيلة رجلاً برجل، ونفساً بنفس، وأخذهم من قبيلة أخرى نفس بنفس فأما اعتبار أحوال النفس الواحدة بالنفس الواحدة فليس له تعرض في ذلك، ولا سيقت الآية له. وإنما تحمل الألفاظ على المقاصد)(١٣١١).