وأجاب كذلك بجوابين آخرين سبق ورودهما، أولهما الأحاديث المخصصة، وهي كما رأيت في أعلى درج الصحيح، وثانيهما انتفاء المماثلة بين نفس تطهرت بالإيمان وتزكت بالتوحيد ونفس راتعة في الكفر المبيح للدم.
واتفق الفقهاء فيما عدا ذلك على أنه يقتل الرجل بالأنثى، والكبير بالصغير، والعاقل بالمجنون، والعالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، وسليم الأعضاء بمقطوعها وبالأشل، أي أنه لا يشترط التكافؤ في الجنس والعقل والبلوغ والفضيلة وكمال الذات أو سلامة الأعضاء(١٣١٢).
فهذه باختصار خلاصة مذاهبهم في قتل المسلم بالذمي، وهي مسألة لا تتصل باختلاف القراءات، لكن تتصل في الاحتجاج بشرع من قبلنا، وهي المسألة التي عليها مدار خلافهم في قراءة النصب.
وكذلك فإن اختلافهم في اشتراط التكافؤ في القصاص من الجاني على النفس هو في اشتراط التكافؤ في القصاص من الجاني على مادون النفس.
أما ما يتصل باختلاف القراءات فهي أحكام الجناية على ما دون النفس الإنسانية، وهي الأحكام التي تناولتها الآية بدءاً من قوله سبحانه وتعالى:
﴿والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص﴾
فقد قرىء ذلك كله كما علمت بالنصب والرفع، وقد صاروا إلى توجيهه على ثلاثة أقوال:
الأول: القراءة بالنصب على أنها من شرع من قبلنا.
الثاني: القراءة بالرفع بالعطف على المعنى، على أنها شرع من قبلنا.
الثالث: القراءة بالرفع على أنها ابتداء كلام، حكم في المسلمين(١٣١٣).
وقد تحدثنا بالتفصيل عن مذاهب النحاة في توجيه اختياراتهم(١٣١٤)، ولم يبق إلا أن نشير إلى أثر القراءة في الحكم الشرعي.
قال ابن المنذر: ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام، حكم في المسلمين(١٣١٥)، وهذا أصح القولين، وذلك أنها قراءة رسول الله - ﷺ - ﴿والعين بالعين﴾ وكذا ما بعده. والخطاب للمسلمين، وقد أمروا بهذا(١٣١٦).