وقرأ الجمهور بإثبات ألفات المفاعلة الثلاث كما قدمنا(١٣٢٧).
وتوجيه قراءة الجمهور أن الخطاب في بيان المقاتلة وليس في بيان القتل، ويدل لهم قوله سبحانه: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم﴾(١٣٢٨) وكذلك قوله سبحانه: ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة﴾(١٣٢٩).
وكذلك فإن قالوا: إن القتال إنما يؤمر به الأحياء، فأما المقتولون فإنهم لا يقتلون فيؤمروا به، فلو قرىء بدون ألف المفاعلة كان ظاهره أمراً للمقتول بقتل قاتليه، وهو محال إذا حمل على ظاهره، فلا يستقيم معناه إلا بالتقدير، وإذا جاز التقدير وعدمه فعدم التقدير أولى(١٣٣٠).
وأما قراءة الكسائي وحمزة وخلف فإنها متجهة إلى أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ من وصفهم بالقتال، وفي ذلك زيادة مدح وثناء، فكأن المعنى قوله: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوا بعضكم، فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم)(١٣٣١).
لكن قال الطبري في التفسير: (وأولى هاتين القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: ﴿ولا تقاتلوهم﴾ لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه - ﷺ - وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم)(١٣٣٢).
وقد أوردنا هذا القول للطبري لنلفت الانتباه إلى ما قد يتبادر إلى الذهن من أن شيخ المفسرين كان يرى صحة قراءة وبطلان قراءة من المتواتر، وهو ما توهمه عبارته هذه، وأشباهها كثير في جامع البيان، وعند القرطبي أيضاً، وهي محمولة على عدم ثبوت التواتر عنده، أما إذا ثبت لديه التواتر فلا يتصور من شيخ المفسرين أن يجزم ببطلان قراءة متواترة، وعلى ذلك يجب حمل سائر ما روي من كلام أئمة التفسير في رد قراءة متواترة.


الصفحة التالية
Icon