(١٣٤٥) سورة الحجرات ١٤
(١٣٤٦) سورة البقرة ١٢٨
المسألة الثالثة
قوله تعالى: ﴿وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً﴾(١٣٤٧)
قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو: ﴿لا يَضِرْكم كيدهم شيئاً﴾
وقرأ الباقون: ﴿لا يضرُّ كم كيدهم شيئاً﴾(١٣٤٨)
وتتجه قراءة الحجازيين وأبي عمرو إلى أن الأصل: ﴿لا يضيرُكم﴾ فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت كسرة الياء إلى الضاد فصارت ﴿لا يضيرُكم﴾ ثم دخل الجزم على الراء، فالتقى ساكنان، فحذفت الياء، فصارت ﴿لا يضِرْكم﴾(١٣٤٩).
وبهذا المعنى فإن لا هنا نافية للضير، وليست نافية للضرر، وهي مشابهة لما ورد في قوله سبحانه على لسان المؤمنين من السحرة من آل فرعون:
﴿قالوا لاضير إنا إلى ربنا منقلبون﴾(١٣٥٠)
وتتجه قراءة الجمهور إلى أن (لا) نافية للضرر، وعندهم أن ورود الضرر في القرآن أكثر من ورود الضير، فالمصير إليه أقرب.
ويرد ثمة سؤال: كيف ساغ أن يأتي المضارع مرفوعاً مع أن حقه الجزم لأنه جواب طلب؟ ويجاب عن ذلك بأن الأصل (لا يضررْكم) فلما أرادوا الإدغام سكنوا الراء ونقلوا الضمة التي كانت على الضاد فصارت ﴿لا يضركم﴾ قال أبو زرعة: فهذه الضمة ضمة إتباع(١٣٥١).
وقد اختصت هذه الآية بورود المدغم والمظهر في صيغة الفعل ذاته:
﴿إن تمسسكم﴾ مظهرة غير مدغمة. ﴿لا يضرْكم﴾ مدغمة غير مظهرة.
ثمرة الخلاف: جاءت الآية العظيمة في الحث على الصبر والتقوى، وهو مقصد قرآني تواترت فيه الإشارات والأوامر الإلهية.
ووعد المولى سبحانه وتعالى الصابرين بعاقبتين عظيمتين:
الأولى: نفي الضير، وهو المظلمة والأذية.
الثانية: نفي الضرر عنهم(١٣٥٢)، وهو عكس المنافع.
وكما ترى فإن المعاني متكاملة، لا يناقض بعضها بعضاً، وتعدد القراءة لها أثر عظيم في تثبيت المؤمن وتقوية عزيمته، بعد أن وعده الله سبحانه بكشف الضر والضير عنه.
------------
(١٣٤٧) سورة آل عمران
(١٣٤٨) تقريب النشر لابن الجزري ص ١٠٢
وعبارة الطيبة:


الصفحة التالية
Icon