ثمرة الخلاف: إن الله سبحانه جعل استسلام الخصوم وانقيادهم عصمة لدمائهم، إذا انقادوا لحكم المسلمين، وهو ما دلت عليه قراءة نافع وابن عامر وحمزة.
ويدل ذلك ما رواه البخاري في الصحيح: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم"(١٣٦٧) فها هنا يكون السلم بمعنى الإسلام كما اختاره البخاري، أو الاستسلام كما نقلناه عن القرطبي.
ولكن الاستسلام والخضوع وكذلك الدخول في الإسلام لا يتبين بسهولة ويسر، وقد يراق دم المرء قبل أن يقدم لقاتله الدليل على انقياده أو إسلامه، لذلك فقد تكلفت القراءة الثانية بعصمة دم المرء إذا كان مجهول الحال بمجرد أن يقول (السلام عليكم)، وهو كما ترى احتراز ضروري، ورحمة إلهية ظاهرة بعبادة.
ويجب التحفظ هنا، فلا نحكم بإسلامه بمجرد إلقاء السلام، بل نعصم دمه إلى أن يتبين حله، كما قال الإمام مالك رضي الله عنه في الكافر يوجد فيقول: جئت مستأمناً طالباً الأمان: هذه أمور مشكلة وأرى أن يرد إلى مأمنه ولا يحكم له بحكم الإسلام حتى يتكلم بالكلمة العاصمة التي علق النبي - ﷺ - الحكم عليها في قوله:
"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله"(١٣٦٨).
------------
(١٣٥٣) سورة النساء ٩٤
(١٣٥٤) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص ١٠٦
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص ١٩٣
وعبارة الشاطبية: وعم فتى قصر السلام مؤخراً.................................
(١٣٥٥) لسان العرب لابن منظور جـ١٢ ص ٢٩٣ مادة سلم
(١٣٥٦) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ٥ ص ٣٢٨
(١٣٥٧) الجامع الصحيح للإمام البخاري كتاب التفسير باب ١٧ رقم الحديث ٤٥٩١ وانظر فتح الباري جـ٨ ص ٢٥٨.
(١٣٥٨) انظر معجم القراءات القرآنية جـ٢ ص ١٥٤
(١٣٥٩) ليس في نص الحديث في البخاري قال عطاء، بل (قال قرأ ابن عباس السلام)


الصفحة التالية
Icon