وتوجيه قراءة الباقين على أنها قراءة المضارع في معنى المستقبل، وذلك بمنزلة قوله: أذن للذين سيقاتلون، أو سيؤمروا بالقتال بأنهم ظلموا، فهم يقتلون عدوهم الظالمين لهم بإخراجهم من ديارهم.
قال ابن العربي: والأقوى عندي قراءة كسر التاء، لأن النبي - ﷺ - بعد وقوع العفو والصفح عما فعلوا أذن الله لهم في القتال عند استقراره في المدينة، فأخرج البعوث ثم خرج بنفسه، حتى أظهره الله يوم بدر، وذلك قوله تعالى: ﴿وإن الله على نصرهم لقدير﴾(١٣٧٣)، ويفهم من اختيار ابن العربي هنا أنه لا يجعل هذه الآية أول ما نزل في أمر القتال.
وقد رجح ابن العربي قراءة الكسر، مع أنه يقرأ كأهل بلده قراءة نافع بفتح التاء، وهذا دليل على حيرته وتجرده للحقيقة العلمية.
وينشأ عن اختلاف القراءات المتواترة في هذه الآية مسألة من أكثر المسائل التي تكلم فيها الفقهاء وهي: تحرير علة المقاتلة في الإسلام.
وقد انقسم الفقهاء في هذه المسألة إلى فريقين، قال الأولون: إن علة المقاتلة هي رد العدوان، وقال الآخرون إن علة المقاتلة هي الكفر، ولو لم يظهر من الكفار اعتداء.
وقد أخذ فقهاء الحنفية والمالكية بالقول الأول، فيما أخذ الشافعية وغالب الحنابلة بالقول الثاني.
وتعريف الجهاد عند عامة الفقهاء يتجه إلى أن علة الجهاد هي نصرة الإسلام، وهو تعليل يقوي مذهب الحنفية والمالكية.
نقل ابن عابدين من متأخري الحنفية تعريف الجهاد بأنه: الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله بالمال والنفس(١٣٧٤).
وتعريف الشافعية للجهاد: (هو قتال الكفار لنصرة الإسلام)(١٣٧٥).