وقد قرر جمهور الفقهاء من مالكية وحنفية وبعض الحنابلة(١٣٧٦) أن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء، وليس محض الكفر(١٣٧٧)، فلا يقتل شخص لمخالفته للإسلام أو لكفره، وإنما يقتل لاعتدائه على الإسلام، فغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يلتزم معه جانب السلم، يدل لذلك نصوص الكتاب والسنة والاعتبار(١٣٧٨). وأظهر الأدلة على ذلك من الكتاب قوله سبحانه:
﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾(١٣٧٩)
وقد عقد ابن تيمية وهو من فقهاء الحنابلة فصلاً للرد على من قال بأن الكفر موجب لشن الحرب، فقال في معرض الرد على الشافعية في احتجاجهم بحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"(١٣٨٠). قال: (هذا الحديث ذكر للغاية التي يباح قتالهم إليها، بحيث إذا فعلوها حرم قتالهم، والمعنى أني لم أومر بقتالهم إلا إلى هذه الغاية، فإن هذا خلاف النص والإجماع، فإنه(لم يفعل هذا قط، بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله)(١٣٨١)
وقد ثبت بالنص والإجماع أن أهل الكتاب والمجوس مع أنهم ليسوا أهل كتاب إذا أدوا الجزية حرم قتالهم(١٣٨٢).
وكذلك فإنه لو كان الكفر علة الجهاد ما أمرنا بالكف عن المرأة والشيخ الكبير من المشركين، وهو ما دلت له نصوص كثيرة منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي - ﷺ - قال: "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانيا ولا طفلاً، ولا امرأة"(١٣٨٣)
واختار الشافعية ومتقدمي الحنابلة أن المبيح للقتل هو الكفر وليس الحرابة، واستدلوا لذلك بعموم قوله سبحانه: ﴿فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم﴾(١٣٨٤).


الصفحة التالية
Icon