قال ابن قدامة: (مسألة: قال: ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا)(١٣٨٥)
وقد اتفق الشافعية والحنابلة في هذه المسألة، فجعلوا أهل الكتاب مستثنين من عموم قوله سبحانه: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾(١٣٨٦)
ونقل ابن قدامة عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، ثم قال: وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق فيقرون ببذل الجزية كالمجوس(١٣٨٧).
وهكذا فإن ابن قدامة هنا وافق الشافعية، وأشار إلى أن الإمام أحمد اختار رأياً وسطاً بين الشافعية والحنفية، فقال بوجوب قتال عبدة الأوثان من العرب والكف عمن سواهم حتى ظهور الحرابة منهم(١٣٨٨).
ثم قال في الاستدلال لاختياره موافقاً الشافعية: (ولنا عموم قوله تعالى: ﴿فاقتلوا المشركين﴾(١٣٨٩) وقول النبي - ﷺ -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" خص منهم أهل الكتاب بقوله: "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"
وقوله(في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"(١٣٩٠) فمن عداهما(١٣٩١) يبقى على مقتضى العموم، ولأن الصحابة رضي الله عنهم توفقوا في أخذ الجزية من المجوس، ولم يأخذ عمر منهم الجزية، حتى روى له عبد الرحمن بن عوف أن النبي - ﷺ - قال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"(١٣٩٢) وثبت عندهم أن النبي - ﷺ - أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم ولأن قول النبي - ﷺ -:
"سنوا بهم سنة أهل الكتاب" يدل على اختصاص أهل الكتاب بإضافتها إليهم، ولأنهم تغلظ كفرهم لكفرهم بالله وجميع كتبه ورسله(١٣٩٣)


الصفحة التالية
Icon