وقد أطلنا في النقل عن ابن قدامة لأنه أورد معظم أدلة القائلين بأن الكفر هو علة المقاتلة، وثمة دليل آخر يورده الشافعية أيضاً وهو ما روي عن النبي - ﷺ - بقوله: (اقتلوا شيوخ المشركين وأبقوا شرخهم)(١٣٩٤)
فهذه بالجملة أدلة القائلين بأن علة المقاتلة هي الكفر وحده، بدون اشتراط ظهور الحرابة.
وقد لخص صاحب كتاب (آثار الحرب في الفقه الإسلامي)(١٣٩٥) ردود العلماء على ذلك فقال: (يجاب عن ذلك بأن قوله تعالى:
﴿اقتلوا المشركين﴾(١٣٩٦) عام مخصوص بالذمي والنساء والصبيان، وحديث:
"اقتلوا شيوخ المشركين"(١٣٩٧) ضعيف بالانقطاع، وبالحجاج بن أرطأة(١٣٩٨) فلا يصلح للمعارضة، ولو سلمت صحته فيجب تخصيصه بحسب أصول الشافعي.
ويرد على الشافعي أيضاً بأنه لو كان مجرد الكفر مبيحاً (للقتل) لما نزل النبي - ﷺ - بني قريظة على حكم سعد بن معاذ فيهم، ولو حكم فيهم بغير القتل لنفذ حكمه...
ومن ناحية النصوص القرآنية فهناك نصوص قطعية لا تقبل التأويل يرد بها على الشافعي مثل قوله تعالى:
﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾(١٣٩٩)
ثم قال: (وهذا الموقف الدفاعي هو الذي سار عليه النبي - ﷺ - والمسلمون من بعده، فلم يقتل النبي كفار قريش وهوازن، وما استباح الخلفاء يوماً دم أحد من غير المسلمين في غير الحرب)(١٤٠٠).
ثم فصل القول في الرد على من زعم نسخ هذه الآية، وتوجيه تعليل القتال بالحرابة، وجملة رده في ثلاثة اعتراضات:
الأول: إن النسخ لا بد له من دليل، ولا دليل يدل على النسخ أو التخصيص.
الثاني: إن ما تضمنته الآية معاني لا تقبل النسخ، فقد تضمنت النهي عن الاعتداء، والاعتداء ظلم، والظلم من المعاني المحرمة في كل الشرائع وفي أحكام العقول، والله لا يبيح الظلم قط.


الصفحة التالية
Icon