ودعا خالد بن الوليد طليحة الأسدي حين تنبأ، فلم يرجع فأظهره الله عليه، ودعا سلمان أهل فارس. فإذا ثبت هذا فإن كان المدعو من أهل الكتاب أو مجوساً دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا دعاهم إلى إعطاء الجزية، فإن أبوا قاتلهم، وإن كانوا من غيرهم دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلهم، ومن قتل منهم قبل الدعاء لم يضمن، لأنه لا إيمان له ولا أمان، فلم يضمن كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم.
ثم استأنف ابن قدامة فقال: (ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا) وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام: (قسم) أهل كتاب وهم اليهود والنصارى ومن اتخذ التوراة والإنجيل كتاباً، كالسامرة والفرنج ونحوهم، فهؤلاء تقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم إذا بذلوها، لقول الله تعالى: ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون﴾ (وقسم) لهم شبهة كتاب وهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها، لقول النبي - ﷺ -: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"، ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في هذين القسمين، (وقسم) لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب، وهو من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان ومن عبد ما استحسن وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية ولا يقبل منهم سوى الإسلام، هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي. وروى عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب. وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق فيقرون ببذل الجزية كالمجوس، وحكي عن مالك أنها تقبل من جميع الكفار إلا كفار قريش لحديث بريدة الذي في المسألة قبل هذه وهو عام ولأنهم كفار فأشبهوا المجوس.