ولنا عموم قوله تعالى: ﴿اقتلوا المشركين﴾ وقول النبي - ﷺ -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله")(١٤٠٣)
وفي هذا المعنى يعرف الحنفية الجهاد بقولهم: هو الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله.(١٤٠٤)
وقال الغنيمي الحنفي في اللباب: قتال الكفار واجب وإن لم يبدؤونا(١٤٠٥)
وهذا الرأي لاشك يندرج في الآراء التي تجعل الحرب في الإسلام هجومية، بمعنى أن المبادرة فيها بيد الجماعة المسلمة، إذ هي التي تعلن الحرب لا بقصد رد العدوان، بل بقصد تحقيق استعلاء دين الحق في الأرض.
وفي مقابل ذلك فقد اختار بعض الفقهاء أن الحرب في الإسلام دفاعية بمعنى أن الحاكم المسلم لا يخول بإعلان حالة الحرب إلا حين وجود الحرابة من المشركين، أو التمهيد للعدوان والأذية.
وقد نقل القرطبي هذا القول عن محمد بن عبد العزيز وابن عباس ومجاهد، وذلك في معرض تصريحهم بأن آية ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم﴾ غير منسوخة.(١٤٠٦)
ويدل على ذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي دلت على استبقاء كثير من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم، فمن الكتاب قوله سبحانه: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾(١٤٠٧)
وقوله سبحانه وهو آخر ما نزل في أمر الجهاد: ﴿وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه﴾(١٤٠٨) الآية.
وقد روى الإمام أحمد بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة فأتيت النبي - ﷺ - فقلت يا رسول الله، إنّ أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نعم صلي أمك"(١٤٠٩)