وروي من حديث عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلةُ بنتُ عبد العزّى على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا وثياب وسمن وأقط. فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت عائشة لها النبي - ﷺ - عن ذلك، فتلا عليها قول الله عز وجل: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم، إنّ الله يحب المقسطين﴾(١٤١٠)
وأظهر الأدلة على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري أن رسول الله - ﷺ - مات ودرعه مرهونة عند يهودي بصاع من شعير.(١٤١١)
وقد نهج صاحب كتاب آثار الحرب في الفقه الإسلامي منهجاً متفرداً في تحرير هذه المسألة، فبعد أن فصل القول في اختيار القائلين بالدفاع والقائلين بالهجوم، انتهى إلى تقرير تفرد المنهج الإسلامي في تحرير طبيعة الجهاد وذلك بقوله:
(أما أن الجهاد: هل هو عمل دفاعي أو هجومي؟ فهذا تقسيم لا ينطبق على نظام الجهاد الإسلامي، لأن الإسلام لا يؤمن بالحروب الحديثة، حروب المطامع البشرية، التي أملت هذا التقسيم، ولا يصح أن يوصف الجهاد بأنه هجومي لأن الهجوم يعني الظلم، والجهاد عدل في الواقع، وقد يكون الجهاد مطلوباً إذا استبد الحكام بمصالح رعاياهم، وهنا يظهر المسلمون بأنهم دعاة إصلاح عام، وجند رسالة يبلغونها للناس على بينة وهدى، رغم معاندة بعض الظالمين، وقد يلتزم المسلمون جانب الدفاع فقط دون التقيد بحدود جغرافية مصطنعة، فالإسلام لا تحده حدود..)(١٤١٢)
ثم خلص إلى القول: (إن الجهاد الإسلامي من نوع خاص، ليس هجومياً ظالماً للعالم، وليس مجرد دفاع عن حدود الوطن والمصالح، فهو بكلمة موجزة: وسيلة في يد ولي الأمر لحماية نشر الدعوة، أو للدفاع عن المسلمين)(١٤١٣).


الصفحة التالية
Icon