والذي أراه والله أعلم أن منشأ الخلاف هو عدم اتفاقهم على تحديد معنى الدفاع والهجوم، فالهجوم بمعنى البغي والعدوان لم يقره أحد، قال الله عز وجل: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين﴾(١٤١٤)
والدفاع بمعنى الانتظار المحض حتى ينال العدو منا، لم يقل به أحداً أيضاً، قال الله عز وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً﴾(١٤١٥).
فليس معنى الدفاع أن تقاتل بترس دون سيف، أو تنتظر غارة العدو، حتى يجتاح أرض الوطن، ويهلك الحرث والنسل ونحن غارون غافلون، نحسن الظن بالعدو ونلتمس له المعاذير.!
بل مقتضى الدفاع أن تقدم ساعة الإقدام وتحجم ساعة الإحجام، وتدرس نوايا عدوك، وتكشف طواياه وتدبيره، ففي عمل الدفاع كر وفر، ومصاولة ومنازلة، وإقحام وإحجام، ودرع وسيف، وحراب ورماح، وكل ذلك مقرر لدى الأمم كلها في نشاطها العسكري الدفاعي.
ففي كل وزارة دفاع في العالم دائرة عمليات واستطلاع وتجسس ومداهمة واقتحام، وكل ذلك يسمى نشاطاً دفاعياً.
وإذا تقرر ذلك فإني أعتقد أن سائر صنوف الجهاد في الإسلام، تندرج تحت إطار العمل الدفاعي بعد تحرير مناطه وتقرير مناشطه.
ففي بدر خرج النبي - ﷺ - يريد عير قريش، وهو منطق دفاعي مبرر، إذ الأموال التي نتجتها القافلة هي متاع المسلمين
المهاجرين في مكة، ومن حقهم أن يحصلوا عليها بأي ثمن، ولما فرت القافلة حضرت قريش في جيش قوامه ثلاثة أضعاف جيش النبي - ﷺ - وألجأته إلى حرب لم يكن قد قصدها ولا سعى إليها، ونذكر بهذه المناسبة أن بدر تبعد عن المدينة نحو ١٨٠ كم فيما تبعد عن مكة ٢٦٠ كم، وذلك كله يكشف لك من هو الطرف الغازي في هاتين الجهتين.
وفي أحد اعتصم رسول الله بمدينته، ثم خرج إلى جبل أحد على بعد نحو أربعة أميال من المدينة يدفع عنها غارة قريش والأحابيش.


الصفحة التالية
Icon