يتحدث بعض المؤلفين عن الولاء والعداء وكأنهما مفهومين متناقضين، بحيث لا يتصور اجتماعهما، ولا يتصور ارتفاعهما، على قواعد النقيض في المنطق، فمن لم يكن ولياً كان عدواً، ومن لم يكن عدواً كان ولياً(١٤٤٣).
والحق إن إطلاق مثل هذا الفهم من غير تمييز فيه إجحاف لما فصل فيه القرآن القول، إذ يظهر لك من استقراء الآيات في القرآن الكريم أن مفهوم العداء والولاء من باب الضد وليس من باب النقيض، فالضدان لا يتصور اجتماعهما، ولكن يتصور ارتفاعهما، بخلاف النقيضين اللذين لا يتصور اجتماعهما ولا ارتفاعهما.
وهكذا فإنه لا يمكن أن يجتمع العداء والولاء لأنهما ضدان، ولكن يمكن أن يرتفعا جميعاً، فهناك ولي، وهناك عدو، وهناك من لا يوصف بأنه ولي ولكن لا يوصف أيضاً بأنه عدو.
ففي الولاء قال الله عز وجل:
﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض﴾(١٤٤٤).
وفي العداء قال الله عز وجل:
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء﴾(١٤٤٥)
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ﴾(١٤٤٦)
وثمة فريق ليسوا أولياء ولا أعداء، فليس أهل الكتاب سواء في عقائدهم وسلوكهم وحربهم على الإسلام، وفي التنزيل العزيز:
﴿ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين﴾(١٤٤٧).
فالفريق الأول أهل الولاء تتأسس علاقتنا بهم على أساس الولاء والنصرة.
والفريق الثاني أهل العداء تتأسس علاقتنا بهم على أساس العداء.
وأما الفريق الثالث فتتأسس علاقتنا بهم على أساس البر والقسط، كما قال الله سبحانه: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾(١٤٤٨).
------------


الصفحة التالية
Icon