فتكون رواية ابن ذكوان عن ابن عامر على جهة أن اليمين المنعقدة هي التي تكون من اثنين، دلت لذلك ألف المفاعلة في قراءتهم ﴿عاقدتم الأيمان﴾ ولا خلاف بين الأئمة في قبول مدلول هذه القراءة، ولكن يلزم ابن عامر أن يقبل مدلول قراءة الآخرين لثبوت التواتر.
وتكون قراءة أهل الكوفة بالتخفيف دالة على أن الكفارة تلزم الحانث إذا عقد يميناً بحلف مرة واحدة، وهذا الحكم محل إجماع من الأمة بلا خلاف، إلا قولاً روي عن ابن عمر، وتسابق النقاد إلى إنكار نسبته إليه(١٥٠٩).
وأما قراءة أهل الكوفة بالتشديد فلا ينبغي أن تتجه إلى تكرار اليمين كما نقله أبو زرعة (١٥١٠)، فهذا خلاف المجمع عليه من الفقهاء أن اليمين تنعقد بمرة واحدة كما في قراءة عَقَدْتم بالتخفيف، ولا حاجة لترديدها المرة بعد المرة.
فينبغي إذن أن يكون معنى التشديد في هذا المقام هو التوكيد، وهذا التوكيد يكون بجزم القلب كما يعرف من أمارات ذلك، قال الله عز وجل:
﴿ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها﴾(١٥١١).
ولو سلمنا بأن التشديد هنا يفيد تكرار اليمين المرة بعد المرة، فإن ذلك لا يسقط وجوب الكفارة في اليمين المنعقدة إذا لم تكرر، إذ إن ذلك دلت له القراءة المتواترة بالتخفيف التي يلزم قبولها عند سائر الأئمة.
كما يمكن أن يكون التشديد في هذا المقام زيادة مبنى، وهو إشارة إلى زيادة المعنى، على وفق قاعدة الأصوليون: زيادة المعنى تدل على زيادة المبنى، فمقتضى قراءة التخفيف عقد اليمين الذي هو قصد القلب، وتحقق النية، وتكون دلالة قراءة التشديد في التوكيد على حصول هذا القصد جزماً، وتحققه يقيناً.


الصفحة التالية
Icon