بعظم المنزلة، وأيضاً فإن في قراءة التشديد إفادة حكم ليس في غيره، وهو أنه متى أعاد اليمين على وجه التكرار أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وكذلك قال أصحابنا فيمن حلف على شيء ثم حلف عليه في ذلك المجلس أو غيره، وأراد به التكرار لا يلزمه إلاّ كفارة واحدة. فإن قيل قوله﴿بما عَقَدتم﴾ بالتخفيف يفيد أيضاً إيجاب الكفارة باليمين الواحدة. قيل له: القراءتان والتكرار جميعاً مستعملتان على وصفنا، ولكل واحدة منهما فائدة مجددة(١٥١٢)).
وكذلك فإن العلامة ابن العربي المالكي أورد القراءات الثلاث محتجاً بها جميعاً، وأشار إلى ضعف قراءة التخفيف على عادته في توهين ما انفرد بروايته الكوفيون، ثم اتخذ من التأويل سبيلاً لإعمال سائر المروي في ذلك وعبارته: قوله تعالى: ﴿عقدتم الأيمان﴾ فيه ثلاث قراءات: عَقَّدتم بتشديد القاف، وعقدتم بتخفيف القاف، وعاقدتم بالألف، فأما التخفيف فهو أضعفها رواية وأقواها معنى، لأنه فعلتم من العقد وهو المطلوب. وإذا قرىء عاقدتم فهو فاعلتم، وذلك يكون من اثنين، وقد يكون الثاني من حلف لأجله في كلام وقع معه، وقد يعود ذلك إلى المحلوف عليه فإنه ربط به اليمين، وقد يكون فاعل بمعنى فعل، كقولك: طارق النمل، وعاقب اللص في أحد الوجهين في اللص خاصته.
وإذا قرىء عَقَّدتم بتشديد القاف فقد اختلف العلماء في تأويله على أربعة أقوال:
الأول: قال مجاهد: تعمدتم.
الثاني: قال الحسن: معناه ما تعمدت به المأثم فعليك فيه الكفارة.
الثالث: قال ابن عمر: التشديد يقتضي التكرار، فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرر اليمين.
الرابع: قال مجاهد: التشديد للتأكيد، وهو قوله: والله الذي لا إله إلا هو.


الصفحة التالية
Icon