قال ابن العربي: أما قول مجاهد: ما تعمدتم فهو صحيح، يعني ما قصدتم إليه احترزاً من اللغو. وأما قول الحسن: ما تعمدتم فيه المأثم فيعني به مخالفة اليمين (الحنث)، فحينئذ تكون الكفارة، وهذان القولان حسنان يفتقران إلى تحقيق. وهو بيان وجه التشديد، فإن ابن عمر حمله على التكرار. وهو قول لم يصح عنه عندي لضعفه. فقد قال النبي - ﷺ -: وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني(١٥١٣). فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر.
وأما قول مجاهد: إن التشديد في التأكيد محمول على تكرار الصفات. فإن قولنا: (والله) يقتضي جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فإذا ذكر شيئاً من ذلك فقد تضمنه قوله والله.
فإن قيل فما فائدة التغليظ بالألفاظ؟ قلنا: لا تغليظ عندنا بالألفاظ وقد تقدم بيانه. وإن غلظنا فليس على معنى أنّ ما ليس بمغلظ ليس بيمين، ولكن على معنى الإرهاب على الحالف. فإنه كلما ذكر بلسانه الله تعالى حدث له غلبة حال من الخوف. وربما اقتضت له رعدة، وقد يرهب بها على المحلوف له، كقوله (لليهود: والله الذي لا إله إلاَّ هو، فأرهب عليهم بالتوحيد، لاعتقادهم أن عزيزاً ابن الله.
والذي يتحصل من ذلك أنّ التشديد على وجه صحيح، فإن المرء يعقد على المعنى بالقصد إليه، ثم يؤكد الحلف بقصد آخر، فهذا هو العقد الثاني الذي حصل به التكرار أو التأكيد، بخلاف اللغو فإنه قصد اليمين وفاته التأكيد بالقصد الصحيح إلى المحلوف عليه(١٥١٤)).
وثمرة الخلاف: تظهر في إعمال القراءات المتواترة الثلاثة إذ لا يجوز إهمال أيٍ منها، فيثبت بذلك أن المؤاخذة تكون من الله عز وجل في الأيمان المنعقدة، سواء عقدها الحالف مرة واحدة، وهو مقتضى قراءة التخفيف، أو كررها ووكدها، وهو مقتضى قراءة التضعيف، أو تواثق بها مع شركائه ونظرائه، فكان عقدها اشتراكاً بين اثنين، وهي قراءة عاقدتم.