المسألة الأولى
قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾(١٥١٨)
قرأ حمزة والكسائي وخلف: ﴿فتثبتوا﴾
وقرأ الباقون: ﴿فتبينوا﴾(١٥١٩)
وبمثل ذلك قرؤوا في سورة النساء في قوله سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا﴾ (١٥٢٠)، وقد قدمنا طرفاً من تأويل هذه الآية في مطلب الجهاد(١٥٢١).
وأما آية الحجرات هذه فقد أخرج ابن جرير الطبري في سبب نزولها عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: بعث رسول الله - ﷺ - رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله - ﷺ - أي خرجوا لاستقباله في موكب مهيب، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فرجع إلى النبي - ﷺ - فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم!... فغضب رسول الله - ﷺ -، فبلغوا القوم رجوعه فأتوا رسول الله - ﷺ - فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رسولك فسررنا بذلك وقرت به أعيننا، ثم أنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله ومن رسوله، فما زالوا يكلمونه حتى جاء بلال وأذن بصلاة العصر، ونزلت: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾(١٥٢٢)
ولا شك أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفي ذلك قال الحسن البصري رضي الله عنه: (فوالله لئن كانت نزلت في هؤلاء القوم خاصة، إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء)(١٥٢٣).
والتثبت والتبين معنيان متقاربان في المرادف اللغوي، ولكن غلب إطلاق الأول على التحقق من الذوات والشخوص، وغلب إطلاق الثاني على التحقق من الأحداث والفعال، وكلاهما من مهمة القاضي العادل.


الصفحة التالية
Icon