﴿الذي خلقني فهو يهدينِ * والذي هو يطعمني ويسقينِ * وإذا مرضت فهو يشفينِ * والذي يميتني ثم يحيينِ﴾ وذلك إن وقفت على واحد من رؤوس الآي هنا.
وظاهرٌ أن الوقف بالروم يجلي المعنى المقصود، الذي سيكون مبهماً إن وقفت بالسكون المحض، ففي الآيتين الأوليين، كشف أن المخاطب امرأة، ولو سكنت سكوناً محضاً لم يتبدَّ لك ذلك، وفي الآية الثالثة كشف لك عن ياء المتكلم المحذوفة اتباعاً لقافية الآية.
وفي أداء المذيعين والمتحدثين اليوم، فإن معاني كثيرة يؤدي السكون المحض إلى إبهامها وضياع رونقها، لاحظ مثلاً هجنة الخطاب وغربته في الصيغ الآتية إذا وقفت بالسكون المحض وأنت تخاطب امرأة:
ما اسمُكْ؟ متى رجَعْتْ؟
ما دراستُكْ؟ متى حضَرْتْ؟
ما هي بلدُكْ؟
هل هو حقاً يحبُّكْ؟
ثم لاحظ بعدئذ كم يضيء الرُّوم من دلالتها ومعناها لدى النطق به وفق قاعدته. (اقرأها بالروم)
وهكذا فإن في الرَّوم فائدة حقيقية في تصويب النطق العربي، سيما في المظان التي يكون الإسكان المحض مدعاة إشكال.
ولست أدري لم يتحرج النحاة من الفتوى بذلك، وهو كما رأيت مذهب البصريين (أبي عمرو) والكوفيين (عاصم وحمزة والكسائي) وإنما البصرة والكوفة للنحو كالأم والأب، فقد ولد النحو بالبصرة وشب في الكوفة، ثم هو من بعد مذهب سائر القراء كما حققه ابن الجزري.
وقد قدمنا بالأدلة والحجج تواتر الإسناد في أداء هذه الوجوه إلى المعصوم - ﷺ - وهو أفصح من نطق بالضاد، وزيادة على ذلك فإن هذا الأداء إنما هو وحي من الله عز وجل تلقاه النبي - ﷺ - من أمين الوحي جبريل.
والعجب بعدئذ من رجل يحتكم إلى شطر من شعر أعرابي، لا يعرف له اسماً، ولا يحفظ عنه إسناداً، ثم هو يرتاب في الأخذ بوجه من الأداء القرآني، أطبق عليه أهل الأداء، وقدموا بين أيديهم إسناده ورجاله، ثم هم أهل الفصاحة واللسن والبيان.