ولا يختلف الكوفيون في أن القراءات محل احتجاج في اللغة، إن ثبتَتْ رواية، ولكن دأب بعض نحاة البصرة على رفض الاستشهاد بالقراءات، ولكني أعتقد أنهم في مثل هذه المسألة لا يخالفون، لإطباق القراء على جواز القراءة بها أولاً، ولأنها صيغة أداء، لا وجه نحو، وقد علمت مبلغ ما بذله أئمة القراءة لضبط صيغة الأداء، وهو ما لم يتحصل جزء جزئه لرواة الشعر وغيره إجماعاً.
وقد اشتد ابن حزم في إنكار مذهب من لم ير الاحتجاج بالقراءات بقوله: (من النحاة من ينتزع من المقدار الذي يقف عليه من كلام العرب حكماً لفظياً ويتخذه مذهباً، ثم تعرض له الآية على خلاف ذلك الحكم، فيأخذ في صرف الآية عن وجهها).
وقال في موضع آخر:
(ولا عجب أعجب ممن إن وجد لامرئ القيس أو لزهير أو لحطيئة أو الطرماح، أو لأعرابي أسدي أو سلمي أو تميمي أو من سائر أبناء العرب لفظاً من شعر أو نثر جعله في اللغة، وقطع به، ولم يعترض فيه، ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاماً لم يلتفت إليه، ولا جعله حجة، وجعل يصرفه عن وجهه، ويحرفه عن موضعه)(١٥٣٣)
وبناء على ما تقدم، فإني أدعو أصحاب البيان والقلم، إلى إحياء منهج الروم في النطق العربي حال الوقف، لما في ذلك من كشف المبهم، وتجلية الغامض، وهذا سيعكس بلا ريب جمال العربية، وحسن الأداء فيها، وأتمنى على جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية أن تسهم في عقد ندوة إعلامية لإحياء هذا الوجه من النطق العربي السليم.
------------
(١٥٢٧) انظر مصحف عثمان ورحلته شرقاً وغرباً، تأليف د. سحر عبد العزيز السالم
إصدار مؤسسة شباب الجامعة ـ إسكندرية.
انظر ص ١١٨ وما بعدها.
(١٥٢٨) أردت بالاستنساخ تصوير أحد هذه المصاحف عن طريق آلة التصوير.
وأردت بالاستكتاب العهدة إلى أحد الخطاطين المهرة إعادة كتابة المصحف وفق الكتبة العثمانية نفسها.
(١٥٢٩) انظر فصل قواعد القراء من هذا الكتاب.