كذلك فإن خلف بن هشام راوية حمزة، انفرد بقراءة مستقلة مخالفة لأصول حمزة، وهو مشهور بعلو الإسناد والرسوخ في العلم.
ومع ذلك فلم يستطع أحد أن يلحق هذه القراءات الثلاث بالسبع المتواترة، بالرغم من اشتهار أسانيدها، ومنزلة رجالها، وكان علينا أن ننتظر خمسة قرون أخرى حتى يجيء ابن الجزري الذي بلغ في القرن التاسع منزلة فريدة في مرجعية الإقراء تسامي ما كان عليه ابن مجاهد في القرن الرابع.
وفي مطلع القرن التاسع كان ابن الجزري أصبح مرجع العالم الإسلامي في القراءة والإقراء، ولذلك فإنه أعاد على بساط البحث مسألة القراءات الثلاث التي اختلف في تواترها، وقام بإثبات تواتر أسانيدها بالحجج الواضحة، ثم كتب نظماً من البحر الطويل على نهج الشاطبية أسماه الدرة المضية في القراءات الثلاث تتمة العشر وبذلك فإنه بوأ هذه القراءات منزلة السبع المتواترات التي قررها ابن مجاهد.
ثم صنف بعد ذلك كتابه الشهير: النشر في القراءات العشر، وأورد فيه زيادة على القراءات الثلاث، وجوهاً أخرى للأئمة السبع لم يكن الشاطبي قد أشار إليها من قبل.
فمن ذلك أن الشاطبي أشار إلى أن المنقول عن عاصم أنه يمد المنفصل، وذلك في قوله:
إذا ألفٌ أو ياؤُها بعدَ كسرةِ * أو الواوُ عن ضمٍّ لقي الهمزَ طوّلا
فإن ينفصلْ فالقصرَ بادِرْه طالباً * بخلفهما يرويكَ درّاً ومخضلاً
فأخبر أن الذين قرؤوا بقصر المنفصل هم المرموز إليهم بالباء وهو قالون، وبالياء وهو السوسي، وبالدال وهو ابن كثير فتعين للباقين المد لا غير.
ولكن ابن الجزري تعقبه في ذلك فقال في الطيبة:
........ وقصرَ المنفصلْ * لي بِنْ حِما عَنْ خُلْفِهم داعٍ ثَملْ
فأخبر أن الذين قرؤوا بقصر المنفصل هم المرموز إليهم باللام وهو هشام، وبالباء وهو قالون وبـ (حما) وهم أبو عمرو ويعقوب، وبالعين وهو حفص بخلاف عنهم، ثم بالدال وهو ابن كثير المكي، وبالثاء وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع بوجه واحد.


الصفحة التالية
Icon