وقد كانت العرب تهتم بالإسناد وتعنى به، وربما تستحلف الناقل في موثوقية ما يرويه.
ففي حديث ضمام بن ثعلبة حين وفد إلى النبي - ﷺ - وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله - ﷺ - جالس في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله - ﷺ -: أنا ابن عبد المطلب، قال: محمد؟ قال: نعم، فقال: ابنَ عبد المطلب.. إني سائلك ومغلظٌ في المسألة، فلا تجدنَّ في نفسك، قال: لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك، قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم، قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة، الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص، قال: ثم انصرف راجعاً إلى بعيره(١٩٩).
والحق أن إيراد هذه النصوص ليس على سبيل الاحتجاج بالإسناد بقدر ما هو على سبيل الاستئناس، وبالطبع فإن ما نورده من إسناد النبي - ﷺ - عن جبريل الأمين وعن تميم الداري لا يشبه ما نحن بصدده من تقرير إسناد الرواة عن التابعين، والتابعين عن الصحابة، والصحابة عن النبي - ﷺ -، فثمة هناك كلام كثير في موثوقية الرواة وعدالتهم وضبطهم لا يتصل بما نحن فيه، إذ لا مساغ للبحث في عدالة النبي - ﷺ - وإسناده الجليل، بعد أن زكاه الله سبحانه بقوله:
﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾(٢٠٠)
------------