قال القسطلاني: (إن الله تعالى قد أكرم هذه الأمة وشرَّفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم التي أخذوها عن غير الثقات، بخلاف هذه الأمة فإنَّها تنص عن الثقة المعروف في زمانه بالصدق عن مثله حتى تتناهى أخبارهم)(٢٠١).
وليس المقام هنا مناسباً لإيراد جهود العلماء في ضبط الأسانيد إذ محل ذلك في كتب علم المصطلح، ولكن بحسبك أن تطمئن إلى أن السعي في هذا السبيل استغرق جهود العلماء لقرون طويلة.
وقد اشتغل العلماء ببيان أصول الرواية والمشافهة ومراتب الرجال وتناولوا بالبحث والتدقيق مسائل مفترضة لا تخطر على بال، سعياً في ضبط النصوص وتوثيقها وإسنادها.
ويمكن أن نضرب هنا مثلاً على مبلغ عناية المسلمين بعلم الإملاء والاستملاء وهو فرع من فروع أصول التوثيق في مناهج العلماء المسلمين، ومن خلال ذلك يمكنك أن تتفهم إلى أي مدى وصل البحث العلمي لدى المسلمين في ضبط الرواية.
ولبيان ذلك أنقل لك هنا هذا النص من ألفية السيوطي في علم الحديث، وفيه يقول السيوطي:
وإن يكُ الضربُ على مكرَّرِ * فالتالي اضربْ في ابتداءِ الأسطرِ
وفي الأخير أولاً، أو وُزِّعا * والوصفَ والمضافَ صلْ لا تقطعا
وحيث لا ووقعت في الأثْنَا * قولان: ثانٍ أو قليلٌ حُسْنَا
فهذه مسألة أفردها علماء الاصطلاح بالبحث وهي بيان ما يجب شطبه من الكلم المكرر حين يغلط الناسخ في تكرير اللفظة الواحدة فيكون تقسيم بحث السيوطي على الشكل التالي:
علم الحديث
قسم الرواية

باب الإملاء


بحث الغلط
فرع شطب المكرر
فهذه مسألة من الدرجة الخامسة من علم الحديث وقد أفردت بالبحث وتناولتها ألسنة العلماء وأقلامهم، حتى تعددت فيها الأقوال والاجتهادات كما رأيت!..


الصفحة التالية
Icon