وهذا التقسيم هو الأولى بالقبول من الاصطلاح الذي جرت عليه العامة من تقسيم القراءات إلى متواتر وآحاد وشاذ، فحيث قلت إنها رواية آحاد فهي في النقل القرآني من باب الشاذ، إذ لا مسوغ لقبول قرآن برواية آحاد، وإنما نهض ابن الجزري بإثبات القراءات الثلاث تتمة العشرة على أساس أنها متواترة، ولا يمكن أن يجادل ابن الجزري عنها إن لم تكن كذلك.
وقد أورد ابن الجزري في النشر جواب قاضي القضاة أبي نصر عبد الوهاب ابن السبكي عن مساءلة سائل: إذا كانت العشر متواترة فلم لا قلتم: إن العشر متواترة، بدل قولكم: السبع؟ فكان جوابه: أما كوننا لم نذكر العشر بدل السبع مع ادعائنا تواترها، فلأن السبع لم يختلف في تواترها، وقد ذكرنا أولاً موضع الإجماع، ثم عطفنا عليه موضع الخلاف على أن القول بأن القراءات الثلاث غير متواترة في غاية السقوط، ولا يصحُّ القول به عمَّن يعتبر قوله في الدين، وهي أعني القراءات الثلاث: قراءة يعقوب وخلف وأبي جعفر بن القعقاع لا تخالف رسم المصحف، ثم قال: سمعت الشيخ الإمام ـ يعني والده ـ يشدد النكير على بعض القضاة، وقد بلغه عنه أنه منع من القراءة بها.
(واستأذنه بعض أصحابنا مرَّة في إقراء السبع، فقال أذنت لك أن تقرئ العشر.) ا. هـ.
ثم علق ابن الجزري فقال: نقلته من كتاب "منع الموانع على سؤالات جمع الجوامع"(٢٠٤).
ولكن ابن الجزري مضى إلى أبعد من هذا القول فأورد اعتراضه على هذا الرأي بقوله: (ينبغي أن تقول: والعشر متواترة ولابد، فقال: أردنا التنبيه على الخلاف. فقلت: وأين الخلاف وأين القائل به؟ ومن قال: إن قراءة أبي جعفر، ويعقوب وخلف غير متواترة؟ فقال: يفهم من قول ابن الحاجب (والسبع متواترة) فقلت: أي سبع؟ وعلى تقدير أن يكون هؤلاء السبعة. مع أن كلام ابن الحاجب لا يدل عليه ـ فقراءة خلف لا تخرج عن قراءة أحد منهم، بل ولا عن قراءة الكوفيين في حرف، فكيف يقول أحد بعدم تواترها مع ادعائه تواتر السبع؟)