إن القرآن وقد استأنف التنزيلين اللذين سبقاه، لايخلو فقط من متناقضات الرواية وهي السمة البارزة في مختلف صياغات الأناجيل، بل هو يظهر أيضاً لكل من يشرع في دراسته بموضوعية وعلى ضوء العلوم، طابعه الخاص وهو التوافق التام مع المعطيات العلمية الحديثة، بل أكثر من ذلك، ولما أثبتنا، يكشف القارئ فيه مقولات ذات طابع علمي من المستحيل تصور أن إنساناً في عصر محمد ﷺ قد استطاع أن يؤلفها، وعلى هذا، فالمعارف العلمية الحديثة تسمح بفهم بعض الآيات القرآنية التي كانت بلا تفسير صحيح حتى الآن.
إن مقارنة عديد من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات في القرآن تبرز الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علمياً وبين مقولات القرآن التي تتوافق مع المعطيات الحديثة (٧).
وهذا التسليم بموثوقية النص القرآني تظاهرت عليه الأدلة من العقل والنقل والواقع، إلى حد لا مزيد عليه، وحسبك من ذلك أن نسخ القرآن العظيم التي تطبع اليوم في العالم وتتجاوز نسخها آلاف الملايين لا يختلف بعضها عن بعض في كلمة أو حرف أو نقطة أو شكل.
ولعل المنفذ الوحيد الذي اتخذه خصوم القرآن منفذاً للحديث عن اختلاط مزعوم في النص القرآني هو مسألة القراءات القرآنية، حيث يتوهم هؤلاء أنها ثغرة في عصمة النصوص، وأن الإقرار بها يستلزم القول بتوهين سلامة النص القرآني، ووجود فقرات بشرية من صنع القراء ضمن التنزيل القرآني الحكيم.
ولعل الإجابة على هذا السؤال عينه هي التي كانت وراء اختياري هذه الدراسة.
------------
(٣) سورة الحشر.
(٤) أخرجه الترمذي عن علي رضي الله عنه في باب فضل القرآن، رقم الحديث عنده ٢٩٠٨، وقال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول، وفي الحديث مقال، أي الحارث الأعور. ولكن الحديث وارد في الفضائل، وله شاهد يقويه من طريق محمد بن إسحاق، انظر الحاشية التالية.