وأما إطلاق عِنان الجهل والظلم والأقوال الضارة المحللة للأخلاق، فإن من أكبر أسباب الشر والفساد، المؤدية إلى الفوضى المحضة وانحلال الأخلاق التي هي قوام كل أمة.
فنتائج الحرية الصحيحة أحسن النتائج، ونتائج الحرية الفاسدة أقبح النتائج، فالشارع فتح الباب للأولى، وأغلقه عن الثانية، تحصيلاً للمصالح ودفعاً للمضار والمفاسد، والله أعلم.
القاعدة الأربعون: في دلالة القرآن على أصول الطب
أصول الطب ثلاثة: حفظ الصحة باستعمال الأمور النافعة، والحمية من الأمور الضارة، ودفع ما يعرض للبدن من المؤذيات.
ومسائل الطب كلها تدور على هذه القواعد.
وقد نبه القرآن عليها في قوله تعالى في حفظ الصحة ودفع المؤذي:﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ﴾، [ لأعراف: من الآية٣١ ]، فأمر الله بالأكل والشرب اللذي لا تستقيم الأبدان إلا بهما، وأطلق ذلك ليدل على أن المأكول والمشروب بحسب ما يلائم الإنسان، وينفعه في كل وقت وحال. ونهى عن الإسراف في ذلك، إما بالزيادة في كثرة المأكولات والمشروبات، وإما بالتخليط في المطعوم والأوقات، وهذا حمية عن كل ما يؤذي الإنسان. فإذا كان القوت الضروري من الطعام والشراب يصير بحالة يتأذى منه البدن ويتضرر منع منه، فكيف بغيره؟.
وكذلك أباح الله للمريض التيمم إذا كان استعمال الماء يضره، حمية له عن المضرات كلها.
وأباح للمحرم الذي به أذى من رأسه أن يحلقه ويفدي، وهذا من باب الاستفراغ وإزالة ما يؤذي البدن، فكيف بما ضرره أكبر من هذا ؟.
ونهى عن الإلقاء باليد إلى التهلكة، فيدخل في ذلك استعمال كل ما يتضرر به الإنسان من الأغذية والأدوية، ودفع ما يضر بمدافعته الذي لم يقع، والتحرز عنه وبمعالجة الحادث بالطرق الطبية النافعة.


الصفحة التالية
Icon