فمنها: أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أكمل الخلق إيماناً ويقيناً، وتصديقاً بوعد الله ووعيده، وهذا أمر يجب على الأمم أن يعتقدوا في الرسل، من أنهم قد بلغوا الذروة فيه، وأنهم معصومون من ضده، ولكن ذكر الله في بعض الآيات أنه قد يعرض لهم بعض الأمور المزعجة ـ المنافية حساً لما علم يقينا ـ ما يوجب لهؤلاء الكمل أن يستبطئوا معه النصر، ويقولون: ﴿ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ﴾، [ البقرة: من الآية٢١٤ ]، وقد يخطر في هذه الحالة على القلوب شيء من عوارض اليأس بحسب قوة الواردات وتأثيرها في القلوب، ثم في أسرع وقت تنجلي هذه الحال وتنفرج الأزمة ويأتي النصر من قريب ﴿ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾، [ البقرة: ٢١٤ ]، فعندئذ يصير لنصر الله وصدق موعوده من الوقع والبشارة والآثار العجيبة أمر كبير، لا يحصل بدون هذه الحالة، ولهذا قال: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [ يوسف: من الآية١١٠ ]، فلهذا الوارد الذي لا قرار له، وعندما حقت الحقائق اضمحل وتلاشى، لا ينكر ويطلب للآيات تأويلات مخالفة لظاهرها.
ومن هذا الباب بل من صريحه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾ (١) [ الحج: من الآية٥٢ ]، أيْ يلقي من الشبه ما يعارض اليقين.

(١) تنازع الناس في تفسير هذه الآية تنازعا كبيرا، ولقد قال الشيخ ابن عثيمين قولا صائبا إن شاء الله تعالى نحب أن نذكره للقارئ:
" سياق الآيات يدل على أن الذي يلقيه الشيطان في أمنيته قول يُسمع، فيظن أنه قرآن ثم بعد ذلك ينسخ الله هذا القول ويبين بطلانه ويحكم الله آياته، ويكون هذا القول فتنة للذين في قلوبهم مرض، وأما الذين أوتوا العلم فإنهم يعلمون أنه ليس بشيء وليس بصواب"


الصفحة التالية
Icon