ولما ذكر مواريث الورثة وقدرها قال: ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ [النساء: ١١] فكونه عليماً حكيماً يعلم ما لا يعلم العباد، ويضع الأشياء مواضعها، فاخضعوا لما قاله وفِعْله، وفصَّله في توزيع الأموال على مستحقيها الذين يستحقونها بحسب علم الله وحكمته، فلو وَكَلَ العبادَ إلى أنفسهم، وقيل لهم: وزعوها أنتم بحسب اجتهادكم لدخلها الجهل والهوى وعدم الحكمة، وصارت المواريث فوضى، وحصل بذلك من الضرر ما الله به عليم، ولكن تولاها وقسمها بأحكم قسمة وأوفقها للأحوال وأقواها للنفع.
ولهذا من قدح في شيء من أحكامه، أو قال: لو كان كذا وكذا فهو قادح في علم الله وفي حكمته.
ولهذا يذكر الله العلم والحكمة بعد ذكر الأحكام، كما يذكرها في آيات الوعيد ليبين للعباد أن الشرع والجزاء مربوط بحكمته، غير خارج عن علمه.
ويختم الأدعية بأسماء تناسب المطلوب. وهذا من الدعاء بالأسماء الحسنى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: ١٨٠] أي: تعبَّدوا لله بدعائه بها، واطلبوه بكل اسم مناسب لمطلوبكم.
وقوله تعالى في سورة الحج: ﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾ [الحج: ٥٩] والآيات المتتابعة التي بعدها، كل واحدة ختمت باسمين كريمين.
فالأول منها: ختمها بالعلم والحلم: يقتضي علمه بنياتهم الجميلة، وأعمالهم الجليلة ومقاماتهم الشامخة، فيجازيهم على ذلك بالفضل العظيم، ويعفو ويحلم عن سيئاتهم فكأنهم ما فعلوها.
وختم الثانية بالعفو الغفور، فإنه أباح المعاقبة بالمثل، وندب إلى مقام الفضل، وهو العفو وعدم معاقبة المسيء، وأنه ينبغي لكم أن تتعبدوا لله بالاتصاف بهذين الوصفين الجليلين لتنالوا عفوه ومغفرته.
وختم الآية الثالثة بالسميع البصير يقتضي سمعه لجميع أصوات ما سكن في الليل والنهار، وبصره بحركاتهم على اختلاف الأوقات وتباين الحالات.


الصفحة التالية
Icon