أما حدود الله: فهي ما حده لعباده من الشرائع الظاهرة والباطنة، التي أمرهم بفعلها، والمحرمات التي أمرهم بتركها. فالحفظ لها يكون بأداء الحقوق اللازمة، وترك المحرمات الظاهرة والباطنة.
ويتوقف هذا الفعل وهذا الترك على معرفة الحدود على وجهها، ليعرفَ ما يدخل في الواجبات والحقوق، فيؤديها على ذلك الوجه كاملة غير ناقصة، وما يدخل في المحرمات ليتمكن من تركها، ولهذا ذمَّ الله من لم يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، وأثنى على من عرف ذلك.
وحيث قال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا ﴾ [البقرة: ٢٢٩] كان المراد بها: ما أحله لعباده، وما فصله من الشرائع. فإنه نهى عن مجاوزتها وأمر بملازمتها.
كما أمر بملازمة ما أحله من الطعام والشراب واللباس والنكاح، ونهى عن تعدي ذلك إلى ما حرم من الخبائث.
وكما أمر بملازمة ما شرعه من الأحكام في النكاح والطلاق والعدة وتوابع ذلك، ونهى عن تعدي ذلك إلى فعل ما لا يجوز شرعاً.
وكما أمر بالمحافظة على ما فصله من أحكام المواريث ولزوم حده. ونهى عن تعدي ذلك، وتوريث من لا يرث، وحرمان من يرث، وتبديل ما فرضه وفصله بغيره.
وحيث قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: ١٨٧] كان المراد بذلك: المحرمات. فإن قوله: ﴿ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ نهي عن فعلها، ونهي عن مقدماتها وعن أسبابها الموصلة إليها والموقعة فيها.
كما نهاهم عن المحرمات على الصائم، وبين لهم وقت الصيام فقال: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾. وكما حرم على الأزواج أن يأخذوا مما آتوا أزواجهم شيئاً إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، قال: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا ﴾ وكما بين المحرمات في قوله: ﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى﴾ [الإسراء: ٣٢] ﴿ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: ٣٤]