وأما قوله تعالى في الرجعة: ﴿ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً ﴾ [البقرة: ٢٢٨] فمن العلماء من قال: إنه من هذا النوع، وإنه يستحق ردها سواء أراد الإصلاح أم لم يرده، فيكون ذكر هذا القيد حثاً على لزوم ما أمر الله به من قصد الإصلاح، وتحريماً لردها على وجه المضارة، وإن كان يملك ردها، كقوله تعالى: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [البقرة: ٢٣١].
ومن العلماء من جعل هذا القيد على الأصل العام، وأن الزوج لا يستحق رجعة زوجته في عدتها إلا إذا قصد الإصلاح. فأما إذا قصد ضد ذلك فلا حق له في رجعتها، وهذا هو الصواب.
ومنها قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ﴾ [البقرة: ٢٨٣] مع أن الرهن يصح حضراً وسفراً. ففائدة هذا القيد: أن الله ذكر أعلى الحالات، وأشد الحاجات للرهن، وهي هذه الحالة في السفر، والكاتب مفقود، والرهن مقبوض، فأحوج ما يحتاج الإنسان للرهن في هذه الحالة التي تعذرت فيها التوثيقات إلا بالرهن المقبوض، وكما قاله الناس في قيد السفر فكذلك على الصحيح في قيده بالقبض، وأن قبضه ليس شرطاً لصحته، وإنما ذلك للاحتياط وزيادة الاستيثاق، وكذلك فقد الكاتب.
ومنها قوله: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ﴾ [البقرة: ٢٨٢] مع أن الحق يثبت بالرجل والمرأتين ومع وجود الرجلين، ولكن ذكر الله أكمل حالة يحصل بها الحفظ للحقوق، بدليل أن النبي ـ ﷺ ـ قضى بالشاهد الواحد مع اليمين، والآية ليس فيها ذلك لهذه الحكمة، وهو أن الآية أرشد الله فيها عباده إلى أعلى حالة يحفظون بها حقوقهم، لتمام راحتهم وحسم اختلافهم ونزاعهم.