ومنها قوله تعالى: ﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقّ ﴾ [البقرة: ٦١] مع أنه لا يقع قتلهم إلا بغير الحق. فهذا نظير ما ذكره في الشرك، وأن هذا إنما هو لتشنيع هذه الحالة التي لا شبهة لصاحبها، بل صاحبها أعظم الناس جرماً، وأشدهم إساءة.
وأما قوله تعالى: ﴿ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: ١٥١] فليست من هذا النوع وإنما هي من النوع الأول الذي هو الأصل، [ والحق ] الذي قيّدها الله به جاء مفسَّراً في قوله ـ ﷺ ـ: ( النفس بالنفس، والزاني المحصن، والتارك لدينه المفارق لجماعة ). [ رواه البخاري [ ٦٨٧٨ ] ومسلم [ ١٦٧٦ ] ]
ومنها قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ [النساء: ٤٣] مع أن فقد الماء ليس من شرطه وجود السفر، فإنه إذا فُقد جاز التيمم حضراً وسفراً، ولكن ذكر السفر لبيان الحالة التي يغلب أن يفقد فيها الماء، أما الحضر فإنه يندر فيه عدم وجود الماء جداً.
ومن هذا السبب ظن بعض العلماء أن السفر وحده مبيح للتيمم وإن كان الماء موجوداً، وهذا في غاية الضعف، وهدي الرسول وأصحابه مخالف لهذا القول.
ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النساء: ١٠١] مع أن الخوف ليس شرطاً لصحة القصر ومشروعيته بالاتفاق. ولما سئل النبي ـ ﷺ ـ عن هذا أجاب ( صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته ) ويعني وصدقة الله وإحسانه في كل زمان ومكان لا يتقيد بخوف ولا غيره.