ومن علوم القرآن: علم أهل السعادة والخير وأهل الشقاوة والشر. وفي معرفته لهم ولأوصافهم ونعوتهم فوائد الترغيب والاقتداء بالأخيار، والترهيب من أحوال الأشرار، والفرقان بين هؤلاء وهؤلاء، وبيان الصفات والطرق التي وصل بها هؤلاء إلى دار النعيم، ووصل بها أولئك إلى دار الجحيم، ومحبة هؤلاء الأتقياء من الإيمان، كما أن بغض أولئك من الإيمان. وكلما كان العبد أعرف بأحوالهم تمكن من هذه المقاصد.
ومن علوم القرآن: علم الجزاء في الدنيا والبرزخ والآخرة على أعمال الخير وأعمال الشر.
وفي ذلك مقاصد جليلة: الإيمان بكمال عدل الله وسعة فضله والإيمان باليوم الآخر، فإن تمامَ الإيمان بذلك يتوقف على معرفة ما يكون فيه، والترغيب والترهيب والرغبة في الأعمال التي رتب الله عليها الجزاء الجزيل، والرهبةُ من ضدها.
ومن علوم القرآن: الأمر والنهي.
وفي ذلك مقاصد جليلة: معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإن العباد محتاجون إلى معرفة ما أمروا به وما نهوا عنه، وبالعمل بذلك والعلم سابق للعمل، وطريق ذلك: إذا مر على القارئ نص فيه أمر بشيء عرفه وفَهِم ما يدخل فيه وما لا يدخل فيه، وحاسب نفسه: هل هو قائم بذلك كله أو بعضه أو تاركه؟ فإن كان قائماً به فليحمد الله، ويسأله الثبات والزيادة من الخير. وإن كان مقصراً فيه فليعلم أنه مطالب به وملزم به. فليستعن بالله على فعله، وليجاهد نفسه على ذلك.
وكذلك في النهي ليعرف ما يراد منه، وما يدخل في ذلك الذي نهى الله عنه، ثم لينظر إلى نفسه فإن كان قد ترك ذلك فليحمد الله على توفيقه، ويسأله أن يثبته على ترك المناهي كما يسأله الثبات على فعل الطاعات؛ وليجعل الداعي له على الترك امتثال طاعة الله، ليكونَ تركه عبادةً، كما كان فعله للطاعة عبادة، وإن كان غير تارك له فليتبْ إلى الله منه توبة نصوحا جازمة وليبادر، ولا تمنعه الشهوات الدنية ما تدعوه إليه النفس الأمارة بالسوء.