وقوله في سورة الفتح: ﴿ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ ﴾[الفتح: ٢٥] فكف الله المؤمنين عن القتال في المسجد الحرام في صلح الحديبية مع وجود المقتضي من الكفار اتقاء للمفسدة المترتبة على ذلك: من إصابة المؤمنين والمؤمنات المستضعفين الذين حبسهم المشركون بمكة عن الهجرة بأنواع من الأذى أو القتل، ما يكون سبباً في لحوق المعرة بجيش المؤمنين.
وكذلك جميع ما جرى في صلح الحديبية من هذا الباب: من التزام تلك الشروط التي ظاهرها الضرر على المسلمين. ولكن تبين لهم بعد أنها عين المصلحة لهم والفتح المبين.
ومن هذا: أمره بكف الأيدي عن القتال قبل أن يهاجر الرسول إلى المدينة، لأن الأمر بالقتال في ذلك الوقت أعظم ضرراً من الصبر والإخلاد إلى السكينة، مع متابعة تبليغ الرسالة وإقامة الحجة والجهاد الكبير بالقرآن.
ولعل من هذا مفهوم قوله في سورة الأعلى: ﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ [الأعلى: ٩] يعني فإن ضرت فترك التذكير الموجب للضرر الكثير هو المتعين. والآيات في هذا النوع كثيرة جداً.
ومن النوع الثالث: قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَر ﴾ [البقرة: ٢١٩].
وهذا كالتعليل العام أن كل ما كانت مضرته وإثمه أكبر من نفعه، فإن رحمة الله وحكمته لابد أن تقتضي المنع منه وتحريمه على عباده.
وهذا الأصل العظيم كما أنه ثابت شرعاً فإنه هو المعقول بين الناس المفطورون على استحسانه، والعمل به في الأمور الدينية والدنيوية، والله أعلم.
القاعدة السادسة والثلاثون: مقابلة المعتدي بمثل عدوانه
طريقة القرآن: إباحة الاقتصاص من المعتدي ومقابلته بمثل عدوانه، والنهي عن ظلمه، والندب إلى العفو عنه والإحسان.