فسر البعض الاستواء في قوله تعالى: ﴿ ثم استوى على العرش ﴾ بالاستيلاء وهذا تفسير مخالف للنص القرآني ذاته إضافة لمخالفته لتفسير السلف من حمل آيات الصفات على ظاهرها مع نفي التشبيه والتمثيل والتكييف (١).
وهذا ما أثبته الطبري والبغوي (٢) وابن كثير (٣) والقاسمي (٤) وغيرهم.
القاعدة الرابعة
تفسير جمهور السلف مقدم على كل تفسير شاذ
إذا انفرد مفسر في تفسير آية بقول خالف فيه عامة المفسرين ولم يكن لقول هذا دلالة واضحة قوية فهو قول شاذ، وقول الجماعة أولى بالصواب.
وتحديد الشذوذ يختلف باختلاف الناظر فيه، فإن كان مجتهدا فإنه يحدد مفهوم الشذوذ عنده بمخالفة دليل ثابت إما قطعي كالمتواتر أو ظني كأخبار الآحاد.
أما إذا لم يكن مجتهدا فعليه بقول الجمهور "لأن ما كان معدودا في الأقوال غلطا وزللا قليل جدا في الشريعة وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر، فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة فليكن اعتقادك أن الحق مع السواد الأعظم من المجتهدين لا من المقلدين" (٥).
وقد رجح بهذه القاعدة ابن جرير (٦) وابن عطية (٧) والرازي (٨) والقرطبي (٩) وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ﴾ ذهب عامة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن المسخ في هذه الآية كان مسخا حقيقيا معنويا وصوريا مسخت قلوبهم وصورهم.
وذهب مجاهد إلى أن المسخ كان معنويا لا صوريا أي مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة، وأنه مثل ضربه الله لهم مثل ما ضرب مَثَل الحمار يحمل أسفارا.

(١) انظر: شرح أصول اعتقاد اهل السنة للالكائي ٣/٣٩٦، والبيهقي في الاسماء والصفات ٢/١٢٥
(٢) معالم التنزيل ٣/٢٣٥
(٣) ٣/٤٢٢
(٤) محاسن التأويل ٧/٢٧٢
(٥) الموافقات ٤/١٧٣
(٦) ١٣/١٢٢
(٧) ٤/١٢٤
(٨) ١٠/٢٣
(٩) ٢/٣٥٤


الصفحة التالية
Icon