وقد نازع ي هذه القاعدة الإمام أبي حنيفة وبعض الأصوليين فذهبوا إلى تقديم الحقيقة اللغوية على الشرعية، وحجتهم أن المعنى الشرعي مجاز فيحمل الكلام على الحقيقة اللغوية إلى أن يدل دليل على المجاز، ويجاب عن هذا بأنه اللفظ لما نقل من العرف اللغوي إلى عرف الشرع تُرك المعنى اللغوي وصار حقيقة شرعية، فهو بالنسبة على الشرع حقيقة وإلى اللغة مجاز.
التطبيق:
قال تعالى: ﴿ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِين () الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ اختلف المفسرون في المراد بقوله تعالى: ﴿ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ على قولين:
- لا يعطون الله الطاعة التي تطهرهم وتزكي أبدانهم ولا يوحدونه.
- لا يقرون بزكاة أموالهم التي فرضها الله فيها ولا يعطونها أهلها.
والقول الثاني هو الراجح، لأن الأول فسر الزكاة بالمعنى اللغوي بخلاف الثاني الذي فسرها بالمعنى الشرعي والحقيقة الشرعية مقدمة في تفسير كلام الشارع.
القاعدة السادسة
الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية.
إذا لم يكن حمل اللفظ على الحقيقة الشريعة لدليل صارف عنها أو لكونه لا معنى شرعيا له، ثم كان هذا اللفظ دائرا بين الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية ولا دليل يوجب حمل اللفظ على إحداهما فالحمل على العرفية أرجح.
ويشترط في العرف الذي يقدم على اللغة شروط هي:
١- أن يكون قائما في زمان رسول الله - ﷺ - أو موجودا قبله، لأنا نريد أن نعرف مراد الله تعالى ومراد رسوله - ﷺ - في خطابهما، ولا يمكن معرفة مرادهما بالكلام إلا من عرف كان قائما موجودا عند ورود الخطاب فنعلم أنه قصد بإطلاق الكلام ما يقتضيه ذلك العرف، فأما عرف حدث بعده فلا يجوز أن يتعرف منه مراد رسول الله - ﷺ -، لأنه لم يكن موجودا في زمانه.
٢- أن يكون العرف مطردا أو غالبا فإن كان مضطربا فلا يقدم ويرجع إلى اللغة.