وقد عرف البلاغيون القلب بأنه: جعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر، والآخر مكانه على وجه يثبت حكم كل منهما للآخر.
والقلب أنواع منها قلب الإسناد كقلب الفاعل مفعولا والمفعول فاعلا نحو قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ﴾ وقلب العطف بأن يجعل المعطوف عليه معطوفا والمعطوف معطوفا عليه وجعلوا منه قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾.
وقد اختلف العلماء في كونه القلب من أساليب البلاغة ومن ثم في جواز حمل القرلآن عليه فأنكره بعضهم مطلقا وجعله من الضروريات التي يسلكها الشعراء لمراعاة القافية والوزن والقرآن منزه عنه، وقبله آخرون مطلقا، واشترطه له آخرون عدم اللبس، وفصل بعضهم فقال: إن تضمن اعتبارا لطيفا قُبل وإلا رد.
وقد قرر هذه القاعدة وعمل بمضمونها ابن عطية (١) والرازي (٢) والقرطبي (٣) وغيرهم.
التطبيق:
قال تعالى: ﴿ خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ ذهب الزجاج وغيره إلى أن في الآية قلبا والمعنى: خُلق العجل من الإنسان، والعرب تفعل هذا إذا كان الشيء من سبب الشيء بدؤوا بالسبب.
وذهب عامة المفسرين إلى أن الآية على ترتيبها فقال بعضهم خلق الإنسان عجولا، وقال آخرون: خلق الإنسان في تعجيل في خلق الله إياه وقيل غير ذلك.
والقول بالترتيب هو الصحيح إذ لا موجب للقول بالقلب ولا دليل عليه مع مخالفته لظاهر الآية.
القاعدة العاشرة
التأسيس أولى من التأكيد
التأسيس لغة من الأساس، وهو أصل البناء وفي الاصطلاح: إفادة معنى آخر لم يكن حاصلا قبلا.
والتأكيد هو: تقوية مدلول ما ذكر بلفظ آخر وهو إما معنوي كقولك: "جاء القوم كلهم أجمعون" أو لفظي وهو: إعادة اللفظ الأول بعينه وهو المراد في هذه القاعدة، فإذا احتمل اللفظ أو الجملة أو الجملة من كتاب الله تعالى أن يكون مؤكدا للفظ -أو جملة- سابق.
(٢) ٢٢/١٧٢
(٣) ٩/٨٧