وها هو الإمام مكي بن أبي طالب المتوفى سنة ٤٣٧، يقول في مقدمة مشكله :" ورأيت من أعظم ما يجب على طالب علوم القرآن، الراغب في تجويد ألفاظه، وفهم معانيه، ومعرفة قراءاته ولغاته، وأفضل ما القارئ إليه محتاج، معرفة إعرابه والوقوف على تصرُّف حركاته وسواكنه؛ ليكون بذلك سالما من اللحن فيه، مستعينًا على إحكام اللفظ به، مطلعًا على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات، متفهمًا لما أراد الله تبارك وتعالى به من عباده؛ إذ بمعرفة حقائق الإعراب تُعرف أكثر المعاني وينجلي الإشكال، وتظهر الفوائد، ويُفْهَم الخطاب، وتصحُّ معرفة حقيقة المراد ".
ويأتي هذا العمل -إن شاء الله- بمنزلة دلو من هذه الدلاء التي تحمل بعض الخصائص والميزات في طريقة توضيح مشكل الإعراب. وقد سرت وفق المنهج التالي :
١ - انتخبت من الآيات " المشكل " منها، وهو الذي قد تغمض معرفة إعرابه وإدراك توجيهه، أو يخالف في الظاهر قواعد النحاة، ولكنه لدى التأمل والتحقيق يظهر لنا موافقتها. قال الجوهري في صحاحه :" أشكل الأمر : أي التبس "، وجاء في " الوسيط " :" الإشكال : الأمر يوجب التباسا في الفهم ".
٢ - حرصت على مطالعة مصنفات القوم في هذا الحقل؛ لكيلا أخرج عن اجتهادات علماء، كان لهم قَدَمُ صدق وجهد وفقه في فهم معاني القرآن العزيز.
٣ - عُني هذا " المجتبى " بالمفردات، والجمل التي لها محل، والتي ليس لها محل، وأشباه الجمل من الظرف والجار والمجرور، وإن كان المقام لا يتسع للمرور بها جميعا، وتركت ذلك لكتابي الآخر " المفصَّل ".
٤ - يسير وفق ترتيب السور والآيات في المصحف الكريم، ويحافظ على رقمها، وفق " مصحف المدينة النبوية " ؛ وذلك لتيسير العودة إلى المُشْكل المنشود من الآية.
٥ - ينتخب العبارة السهلة المأنوسة التي تتضح لجلِّ طلبة العلم، ومن هنا بذلتُ الجهد في توضيح عبارات المعربين التي قد تحتاج في عصرنا إلى تذليل غامضها، والكشف عن مقصودها.
آ : ٢٣ ﴿ وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ﴾
قوله " ولا تقولن " : الواو عاطفة، " لا " ناهية، وفعل مضارع مبني على الفتح، والنون للتوكيد، في محل جزم، " ذلك " اسم إشارة مفعول به لاسم الفاعل، " غدًا " ظرف متعلق بـ " فاعل ".
آ : ٢٤ ﴿ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا ﴾
قوله " إلا أن يشاء الله " :" إلا " أداة حصر، والمصدر المؤول منصوب على نزع الخافض الباء أي : ملتبسًا بمشيئة الله، والاستثناء مفرغ. " إذا " ظرف محض متعلق بـ " اذكر "، والمصدر " أن يهدين " فاعل عسى، و " يهدين " فعل مضارع منصوب والنون للوقاية، والياء المقدرة مفعول به، الجار " لأقرب " متعلق بـ " يهدين "، الجار " من هذا " متعلق بـ " أقرب "، " رشدا " تمييز.
آ : ٢٥ ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾
جملة " ولبثوا " مستأنفة، والجار متعلق بالفعل، وكذا الظرف " ثلاث "، " مائة " مضاف إليه، " سنين " بدل من " ثلاث مائة " منصوب بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، " تسعا " تمييز. قوله " وازدادوا " : هذا الفعل إن كان على افتعل صار لازما، وإن كان على فَعَل تعدَّى إلى اثنين نحو :" زدني علما ".
آ : ٢٦ ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾
الجار " من الناس " متعلق بمحذوف خبر مقدم للمبتدأ " مختلف، وهو في الأصل نعت لمنعوت محذوف أي : صنف مختلف، والجملة معطوفة على جملة " ألم تر " المتقدمة، " ألوانه " فاعل " مختلف "، قوله " كذلك " : الكاف نائب مفعول مطلق أي : مختلف اختلافاً مثل ذلك الاختلاف في الثمرات، " إنما " كافة ومكفوفة. الجار " من عباده " متعلق بحال من " العلماء ".
آ : ٢٩ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ ﴾
الجار " مما " متعلق بـ " أنفقوا "، " سراً " نائب مفعول مطلق؛ لأنه نوع من المصدر، وجملة " يرجون " خبر " إن "، وجملة " لن تبور " نعت لـ " تجارة ".
آ : ٣٠ ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾
المصدر " ليوفيهم " مجرور متعلق بـ " يرجون "، وجملة " إنه غفور " مستأنفة
٤٣٨
٣١ ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾
جملة " والذي أوحينا... " مستأنفة، وخبر الموصول " الحق "، والضمير " هو " للفعل، الجار " من الكتاب " متعلق بحال من " الذي "، " مصدقاً " حال من " الحق "، " ما " مفعول به لـ " مصدقاً "، واللام زائدة للتقوية، " بين " ظرف مكان متعلق بالصلة المقدرة، الجار " بعباده " متعلق بـ " خبير ".
آ : ٣٢ ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾


الصفحة التالية
Icon