أحدهما : وهو الظاهر، أن يكون الفاعل في "قال" ضمير إبراهيم عليه السلام؛ أي : قال إبراهيم أيضًا : ومن كفر فأَمْتِعه يارب ثم اضطرَّه يا رب "٢٢و".
وحَسُنَ على هذا إعادة "قال" لأمرين :
أحدهما : طول الكلام، فلما تباعد آخره من أوله أُعيدت "قال" لبُعْدِها، كما قد يجوز مع طول الكلام ما لا يحوز مع قصره.
والآخر : أنه انتقل من الدعاء لقوم إلى الدعاء على آخرين، فكأن ذلك أَخْذٌ في كلام آخر، فاستؤنف معه لفظ القول، فجرى ذلك مجرى استئناف التصريع في القصيدة إذا خرج من معنى إلى معنى؛ ولهذا ما١ يقول الشاعر في نحو ذلك :
فدع ذا ولكن هل ترى ضوء بارق٢
ويقول :
دع ذا وبهج حَسَبا مُبهَّجا٣
فإذا جاز أن يصُرِّع وهو في أثناء المعنى الواحد نحو قوله :
ألا نادِ في آثارهن الغوانيا سُقين سِمَامًا ما لهن وما ليا
كان التصريع مع الانتقال من حال إلى حال أحرى بالجواز، فهذا أحد الوجهين.
وأما الآخر : فهو أن يكون الفاعل في "قال" ضمير اسم الله تعالى؛ أي : فأَمْتِعه يا خالق، أو فأمتعه يا قادر أو يا مالك أويا إله، يخاطب بذلك نفسه - عز وجل - فجرى هذا على ما تعتاده العرب من أمر الإنسان لنفسه؛ كقراءة من قرأ :"قَالَ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"٤ أي : اعلم يا إنسان، وكقول الأعشى :
وهل تُطيق وداعًا أيها الرجل٥

١ ما زائدة.
٢ عجزه :
يضيء حَبِيًّا في ذرى متألق
والبيت لخفاف بن ندبة، والجبي : السحاب المتراكم، والذرى بضم الذال : جمع ذروة؛ وهي من كل شيء أعلاه. وانظر الأصمعيات : ١٤.
٣ للعجاج. الديوان : ١٠.
٤ سورة البقرة : ٢٥٩، وقراءة "اعلم" بلفظ الأمر قراءة أبي رجاء وحمزة والكسائي. انظر البحر : ٢/ ٢٩٦.
٥ صدره :
ودِّع هريرة إن الركب مرتحل
وانظر الديوان : ٥٥، والخصائص ٢/ ٤٧٤.


الصفحة التالية
Icon