وهذا يتصل بباب من العربية غريب لطيف وهو باب التجريد؛ كأنه يجرد نفسه منه ثم يخاطبها، وقد ذكرنا هذا الباب في كتابنا الخصائص١.
وهذا وإن كان مما لا ينبغي أن يُجرى في الحقيقة مثله على الله - سبحانه - لأنه لا تجزؤ هناك؛ فإنه يُجرى على عادة القوم ومذهب خطابهم، وقد نطقوا بهذا نفسه معه - تقدست أسماؤه - أنشدنا أبو علي :
أفاءت بنو مروان ظلمًا دماءنا وفي الله إن لم يَعدلوا حَكَمٌ عدل٢
فجرى اللفظ على أنه جُرد منه شيء يسمى حكَمًا عدلًا، وهو مع التحصيل على حذف المضاف؛ أي : وفي عدل الله حَكَمٌ عدل. فتفهَّم هذه المواضع، فإن قدر الإعراب يضيع إلى معناها، وإن كان هو أول الطريق ونهجه إليها.
ويجوز في العربية :"ثم اضطَرِّهِي" بكسر الراء لالتقاء الساكنين، ثم تُبَيَّن الهاء بياء بعدها.
ويجوز أيضًا :"ثم اضطَرِّهِ" تكسر الهاء ولا تتم الياء.
ويجوز :"اضطَرِّهْ" بكسر الراء وفتحها والهاء الساكنة.
ويجوز :"ثم اضطَرُّهُو" بضم الراء كما روينا عن قطرب أن بعضهم يقول : شَمُّ يا رجل.
ويجوز الضم بلا واو.
ويجوز مع ضم الراء وفتحها تسكين الهاء. وقد ذكرت ذلك كله في أماكنه.
ومن ذلك قراءة ابن محصين : ثم "أَطَّرُّه"٣ يدغم الضاد في الطاء.
قال أبو الفتح : هذه لغة مرذولة؛ أعني : إدغام الضاد في الطاء؛ وذلك لما فيها من الامتداد والفشو؛ فإنها من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها، ولا تدغم هي فيما يجاورها.
وهي : الشين والضاد والراء والفاء والميم، ويجمعها في اللفظ قولهم : ضُمَّ شَفْر، وقد أخرج بعضهم الضاد من ذلك وجمعها في قولهم : مِشفر.
قال : لأنه قد حُكي إدغام الضاد في الطاء في قولهم في "اضطجع" :"٢٢ظ" اطَّجع.

١ انظر : الخصائص : ٢/ ٤٧٣.
٢ انظر الصفحة ٤٢ من هذا الجزء.
٣ سورة البقرة : ١٢٦.


الصفحة التالية
Icon