قال أبو الفتح : وجهه أن الوقوف في هذه القراءة على قوله تعالى :﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ ثم استأنف مُنبِّهًا فقال :"أَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي"، كقولك مبتدئًا : ألا زيد فأعرض عنه وأقبل عليَّ، وكأنه - عليه السلام - إنما رأى لقول الله تعالى :﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾؛ فلو قال :﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ لم يقوَ معناه عنده؛ لأنه لا حجة للظالمين على المطيعين، والذي يقوِّي قراءة الجماعة قوله تعالى :﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ فهو معطوف على قوله تعالى :﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾. وإذا كان عطفًا عليه فأن يكون فهي عقد واحد معه أولى من أن يتراخى عنه، ويكون قوله على هذا :﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ استثناء منقطعًا؛ أي : لكن الذين ظلموا منهم يعتقدون أن لهم حجة عليكم، فأما في الحقيقة وعند الله تعالى فلا.
فإن قلت : فقد فَصَل بقوله :﴿فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي﴾ ثم عطف بقوله :﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾، وقد كرهت الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه.
قيل : لما كان الأمر للمسلمين بترك خشية الظالمين إنما هو مسبب عن ظلمهم اتصل به اتصال المسبَّب بسببه، فجرى مجرى الجزء من جملته، وليس كذلك استئناف التنبيه بأَلَا، ألا تراها إنما تقع أبدًا في أول الكلام ومرتجلة؟ فاعرف ذلك فرقًا.
ومن ذلك قراءة علي وابن عباس - كرم الله وجوههما - بخلاف وسعيد بن جبير، وأنس بن مالك، ومحمد بن سيرين١، وأبي بن كعب٢، وابن مسعود، وميمون بن مهران :"أَلَّا يَطَّوف بهما"٣. "٢٣ظ"
قال أبو الفتح : أما قراءة الجماعة :﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ تقرُّبًا بذاك؛ أي : فلا جناح عليه أن يطوف بهما تقربا بذاك إلى الله تعالى؛ لأنهما من شعائر الحج والعمرة، ولو لم يكونا من شعائرهما لكان التطوف بهما بدعة؛ لأنه إيجاب أمر لم يتقدم إيجابه، وهذا
٢ هو أبي بن كعب بن قيس أبو المنذر الأنصاري، قرأ علي النبي - ﷺ - القرآن العظيم، وقرأ عليه النبي - ﷺ - للإرشاد والتعليم، اختلف في موته، فقيل : سنة ١٩، وقيل : سنة ٢٠، وقيل : سنة ٣٠، وقيل غير ذلك. طبقات القراء لابن الجزري : ١/ ٣١.
٣ سورة البقرة : ١٥٨.