بدعة، كما لو تطوف بالبصرة أو بالكوفة أو بغيرهما من الأماكن على وجه القربة والطاعة كما تطوف بالحرم؛ لكان بذلك مبتدعًا.
وأما قراءة مَن قرأ :"فلا جُناح عليه ألَّا يطَّوَّف بهما"، فظاهره أنه مفسوح له في ترك ذلك، كما قد يفسح للإنسان في بعض المنصوص عليه المأمور به تخفيفًا؛ كالقصر بالسفر، وترك الصوم، ونحو ذلك من الرخص المسموح فيها.
وقد يمكن أيضًا أن تكون "لا" على هذه القراءة زائدة؛ فيصير تأويله وتأويل قراءة الكافة واحدًا؛ حتى كأنه قال : فلا جناح عليه أن يطَّوف بهما، وزاد "لا"، كما زيدت في قوله تعالى :﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾١ أي : ليعلم.
وكقوله :
من غير لا عَصْف ولا اصطرافِ٢
أي : من غير عصف، وهو كثير.
ومن ذلك قراءة الحسن :"أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةُ وَالنَّاسُ أَجْمَعُونَ"٣.
قال أبو الفتح : هذا عندنا مرفوع بفعل مضمر يدل عليه قوله سبحانه :"لَعْنَةُ اللَّهِ" أي : وتعلنهم الملائكة والناس أجمعون؛ لأنه إذا قال : عليهم لعنة الله، فكأنه قال : يلعنهم الله، كما أنه قال :
تذكَّرت أرضًا بها أهلها أخوالَها فيها وأعمامَها٤
٢ للعجاج، وقبله :
قد يكسب المال الهدان الجافي
ويروى :"بغير" مكان "من غير". والهدان ككتاب : الأحمق الثقيل، والعطف : الكسب، والاصطراف : التصرف في وجوه الكسب، افتعال من الصرف. وانظر : الخصائص : ٢٨٣، والديوان : ٤٠.
٣ سورة البقرة : ١٦١.
٤ لعمرو بن قميئة، وكان خرج مع امرئ القيس في سفره إلى قيصر الروم، وهو يتحدث عن ابنته إذ ذكرها في قوله قبل :
قد سألتني بنت عمرو عن الـ أرض التي تنكر أعلامها
فيذكر أنها حين جاوزت أرض قومها ورأت بلادًا أنكرتها بكت، وهو يعني بذلك نفسه، فلم يعرف أنها كانت معه.
وانظر : الكتاب : ١/ ١٤٤، والخصائص : ٢/ ٤٢٧، والخزانة ٢/ ٢٤٧.