في حال واحد؛ ولكن قد يُظن ويتوهم شيئين بل أشياء كثيرة، ومثله قول الله تعالى :﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا﴾١، فهذا يُحسِّن هذه القراءة.
وأما قراءة الجماعة :"يَرَوْنَهم " فلأنها أقوى معنى؛ وذلك أنه أوكد لفظًا؛ أي : حتى لا يقع شك فيهم ولا ارتياب بهم أنهم مثلاهم، فهذا أبلغ في معناه من أن يكون مُرٍ يُرِيهم ذلك، فقد يجوز أن يتم له ذلك وقد لا، هذا في ظاهر الأمر؛ فأما على اليقين ومع الحقيقة فلا يجوز أن يكون "٣٤ظ" الشيء الواحد شيئين اثنين فيما له كان واحدًا، ومما جاء مفصولًا فيه بين أَرَى وأُرَى قوله :
تَرَى أو تُراءَى عند معقِد غَرْزِها تهاويل من أجلاد هر مؤوَّم٢
فلما قال :"ترى" استكثر ذلك؛ لأنه مع التحصيل لا حقيقة له، فأتبعه بما لان له القول الأول، فقال : أو تراءى، فاعرف ذلك.
ومن ذلك قراءة مجاهد :"زَيَّنَ لِلنَّاسِ حُبَّ الشَّهَوَاتِ"٣ بفتح الزاي والياء.
قال أبو الفتح : فاعل هذا الفعل إبليس، ودل عليه ما يتردد في القرآن من ذكره، فهذا نحو قول الله تعالى :﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ﴾٤، وما جرى هذا المجرى.
ومن ذلك قراءة الناس :﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾، وقرأ أبو المهلب محارب بن دِثار٥ :"شُهَدَاءَ اللَّهِ"٦ مضمومة الشين، مفتوحة الهاء، ممدودة على فعلاء.
٢ البيت للممزق العبدي من قصيدة له قافية، ونصه كما في الأصمعيات ١٨٨ :
ترى أو تراءى عند معقد غرزها تهاويل من أجلاد هر معلق
ولعل كلمة "مؤوم" في رواية الأصل من قول جابر بن حني :
أنافت وزافت في الزمام كأنها إلى غرضها أجلاد هر مؤوم
الغرز للناقة : مثل الحزام للفرس، والتهاويل : جمع تهويل؛ وهو ما هول به، أجلاد الشيء : شخصه بكماله، والمؤوم : القبيح الخلقة، العظيم الهامة. يريد : كان هرًّا علق عند معقد حزامها أنشب أظافره فيها، فهي تنفر وتسرع. وانظر : المفضليات : ٢١٠.
٣ قراءة الجماعة :"زُين" مبنيًّا للمفعول. سورة آل عمران : ١٤.
٤ سورة النساء : ١٢٠.
٥ هو محارب بن دثار السدوسي الكوفي القاضي، عرض على أبيه عن عمر بن الخطاب، وروى عن جابر وابن عمر. عرض عليه ابنه مسلمة أحد شيوخ يعقوب، وكان من كبار العلماء. طبقات القراء : ٢/ ٤٢.
وفي البحر المحيط ٢/ ٤٠٣ : وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار :"شهداء الله"، على وزن فعلاء، جمعًا منصوبًا.
٦ سورة آل عمران : ١٨.