قال أبو الفتح : هو منصوب على الحال من الضمير في المستغفرين؛ أي : يستغفرونه شهداء لله أنه لا إله إلا هو، وهو جمع شهيد، ويجوز أن يكون جمع شاهد؛ كعالم وعلماء، والأول أجود.
ومن ذلك قراءة الناس :﴿ذُرِّيَّةً﴾١، وقرأ زيد بن ثابت :"ذِرِّيَّة" بكسر الذال، و"ذَرِّيَّة" بفتح الذال.
قال أبو الفتح : يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ :
أحدها : ذرأ، والثاني : ذرر، والثالث : ذرو، والرابع : ذرى.
فأما الهمز، فمن ذرأ الله الخلق.
وأما ذرر، فمن لفظ الذر ومعناه؛ وذلك لما ورد في الخير أن الخلق كان في القديم كالذر.
وأما الواو والياء، فمن ذرَوت الحَب وذَريته، يقالان جمعيًا؛ وذلك لقوله٢ سبحانه :﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾٣، وهذا للطفه وخفته، وتلك حال الذر أيضًا.
فهذه الأصول المنزوع إليها، المقود تصريف هذا الموضع عليها.
فأما "ذُرية" المضمومة، فإن أخذتها من ذرأ؛ فإنها في الأصل فُعِّيلة كمُرِّيق٤، وأصلها ذُرِّيئة، فألزمت التخفيف أو البدل كنبِيٍّ في أكثر اللغة، وكالخابية٥، وكالبرية، فيمن أخذها من برأ الله الخلق، وغير ذلك مما أُلزم التخفيف. ومثلها :﴿كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾٦ فيمن جعله فُعِّيلًا من درأَت؛ وذلك لأنه يدرأ الظلمة عن نفسه بضوئه، وأصله على هذا دُرِّيءٌ فخفف، وقد قرئ به مهموزًا٧.
وإن أَخذت الذُّرية من الذَّرِّ احتمل خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون فُعْلِيَّة كبختية وقمرية٨.
والآخر : أن تكون منسوبة إلى الذر، إلا أنه غُير أولها؛ لما قد يعرض من التغيير لياءي الإضافة، كقولهم في الإضافة إلى أمس : إمسي، وإلى الأفق : أَفَقِي، وإلى الحرَم : حِرْمي، وإلى جَذِيمة : جُذمِيّ، وإلى عبيدة : عُبدِي، وإلى الدهر : دُهْرِي، وإلى السهل : سُهْلِي.
والثالث : أن تكون ذرية فُعِّيلة كمُرِّيقة؛ إلا أن أصلها ذُرِّيرة على هذا، فلما كثرت

١ سورة آل عمران : ٣٤.
٢ في ك : لقول الله.
٣ سورة الكهف : ٤٥.
٤ المريق : الذي أخذ في السمن من الخيل.
٥ الخابية : الحب، من خبأ، وترك همزها.
٦ سورة النور : ٣٥.
٧ وهذه قراءة أبي بكر وحمزة. إتحاف فضلاء البشر : ١٩٩.
٨ البختية : الإبل الخراسانية، والقمرية : ضرب من الحمام.


الصفحة التالية
Icon