قال أبو الفتح : ينبغي أن يكون هذا منقولًا من درس هو وأَدرس غيره؛ كقولك : قرأ وأَقرأَ غيره. وأكثر كلام العرب درس ودرَّس غيره، وعليه جاء المصدر على التدريس "٣٧و".
ومن ذلك قراءة الأعرج فيما يُروى عنه :"لَمَّا آتيناكم"١ بفتح اللام وتشديد الميم، "آتيناكم" بألف قبل الكاف.
قال أبو الفتح : في هذه القراءة إغراب، وليست "لَمَّا" هاهنا بمعروفة في اللغة؛ وذلك أنها على أوجه :
تكون حرفًا جازمًا كقوله الله تعالى :﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾٢.
وتكون ظرفًا في نحو قوله :﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ﴾٣.
وتكون بمعنى إلا في نحو قولهم : أقسمت عليك لَمَّا فعلت؛ أي : إلا فعلت.
ولا وجه لواحدة منهن في هذه الآية.
وأقرب ما فيه أن يكون أراد : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لَمِنْ ما آتيناكم، وهو يريد القراءة العامة٤ :"لَمَا آتيناكم"، فزاد مِن على مذهب أبي الحسن في الواجب؛ فصارت "لَمِمَّا"، فلما التقت ثلاث ميمات فثقلن حذفت الأولى منهن، فبقي "لَمَّا" مشددًا كما ترى، ولو فُكت لصارت لَنْما، غير أن النون أُدغمت في الميم كما يجب في ذلك فصارت "لَمَّا". هذا أوجه ما فيها إن صحت الرواية بها.
وأما "آتيناكم" بالجمع فطريقه أنه لما ورد مع لفظ الجماعة من النبيين جاء أيضًا مجموعًا تعاليًا في اللفظ؛ كقوله تعالى :﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾٥، وقال سبحانه :﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾٦، ولو كانت : وضربت لكم الأمثال، لم تبلغ في سمو اللفظ وتعاليه٧ في قوله :﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ﴾، فتفهَّم معناه.
٢ سورة آل عمران : ١٤٢.
٣ سورة القصص : ٢٢.
٤ أي : في "لما" خاصة كما لا يخفى.
٥ سورة الإنسان : ٢٨.
٦ سورة إبراهيم : ٤٥.
٧ في الأصل "تغاليه" بالغين، وما أثبتناه متفق مع ما قبله...