ومن ذلك قراءة أبان بن تغلب١ :"قُل صَّدَقَ اللَّهُ"٢ بإدغام اللام في الصاد، وكذلك :"قُل سِّيرُوا"٣.
قال أبو الفتح : علة جواز ذلك فُشو هذين الحرفين - أعني : الصاد والسين - في الفم وانتشار الصدى المنبث عنهما، فقاربتا بذلك مخرج اللام فجاز إدغامها فيهما، وكذلك هي أيضًا مع الزاي ومع الطاء، والدال والتاء. قرئ :"فَهَل تَّرى لهم"٤، ومع الظاء والثاء والذال، قرئ :"هل ثُّوب الكفار"٥، فأما اللام التي للتعريف فتُدغم في ثلاثة عشر حرفًا، وذلك معروف في موضعه، فلا وجه لإعادته.
ومن ذلك ما رواه مبارك٦ عن الحسن أنه كان يقرأ :"بِثَلاثَهْ آلافٍ"٧ و"بِخَمْسَهْ آلافٍ"٨، وَقْفٌ ولا يُجري واحدًا منهما.
قال أبو الفتح : وجهه في العربية ضعيف؛ وذلك أن ثلاثة وخمسة مضافان إلى ما بعدهما، والإضافة تقتضي وصل المضاف بالمضاف إليه؛ لأن الثاني تمام الأول، وهو معه في أكثر الأحوال كالجزء الواحد، وإذا وصلت هذه العلامة للتأنيث فهي تاء لا محالة؛ وذلك أن أصلها التاء، وإنما يبدل منها في الوقف الهاء، وإذا كان كذلك - وهو كذلك - فلا وجه للهاء؛ لأنها من أمارات الوقف، والموضع على ما ذكرنا متقاضٍ للوصل، غير أنه قد جاء عنهم نحو هذا، حكى الفراء أنهم يقولون : أكلت لحمَا شاة، يريدون : لحم شاة، فيمطلون الفتحة فينشئون عنها ألفًا، كما يقولون في الوقف : قالا، يريدون : قال، ثم يمطلون الفتحة فتنشأ عنها الألف، وهذا المطل لا يكون مع الإسراع والاستحثاث؛ إنما يكون مع الروية والتثبت، وأنشد أبو زيد :
مَحْضٌ نِجَارى طيِّب عنصري٩
٢ سورة آل عمران : ٩٥.
٣ سورة النمل : ٦٩.
٤ سورة الحاقة : ٨، والإدغام قراءة أبي عمرو وهشام في المشهور عنه وحمزة والكسائي. إتحاف فضلاء البشر : ٢٦.
٥ سورة المطففين : ٣٦، والإدغام قراءة حمزة والكسائي وهشام في المشهور عنه. المرجع السابق : ٢٦٩.
٦ هو المبارك بن الحسن بن هلال الثقفي، روى قراءة الحسن البصري. طبقات القراء : ٢/ ٤٠.
٧ سورة آل عمران : ١٢٤.
٨ سورة آل عمران : ١٢٥.
٩ رُوي :"غض" مكان "محض". النجار : الأصل. الخصائص : ٣/ ٢١١.