يُرِدْ ثواب الدنيا يُوتِه منه ومَن يُرِدْ ثوابَ الآخرة يُوتِه منها وسنجزي الشاكرين"١ بالياء فيهما.
قال أبو الفتح : وجهه على إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه؛ أي : يوته الله، يدل على ذلك قراءة الجماعة :﴿نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ بالنون.
وحديث إضمار الفاعل للدلالة عليه واسعٌ فاشٍ عنهم، منه حكاية الكتاب أنهم يقولون : إذا كان غدًا فائتني؛ أي : إذا كان ما نحن عليه من البلاء في غد فائتني، ومثله حكايته أيضًا :
مَن كذب كان شرًّا له؛ أي : كان الكذب شرًّا له. وعليه قول الآخر :
ومجوَّفات قد علا ألوانها أسآر جُرد مُتْرَصاتٍ كالنَّوَى٢
أي : قد علا التجويف ألوانَها. وقول الآخر :
إذا نُهِيَ السفيهُ جرى إليه وخالَف والسفيهُ إلى خلاف٣
وكما أضمر المصدر مجرورًا؛ أعني : الهاء في إليه - يعني إلى السفه - كذلك أيضًا أضمره مرفوعًا بفعله.
ومن ذلك قراءة ابن محيصن والأشهب والأعمش :"وكَأْيٍ"٤ بهمزة بعد الكاف ساكنة، وياء بعدها مكسورة خفيفة، ونون بعدها، في وزن كَعْيٍ.
قال أبو الفتح : فيها أربع لغات : كأَيّ، وكاءٍ، وكأْي - وهي هذه القراءة - وَكَاءٍ في وزن كَعٍ.
ثم اعلم أن أصل ذلك كله "كأَيٍّ" في معنى كم كأكثر القراءة "وكأَيٍّ من قرية"٥، وهي أَيٌّ دخلت عليها كان الجر، فحدث لها من بعد معنى كم، ولهذه الكاف الجارة حديث طويل في دخولها وفيها معنى التشبيه، وفي دخولها عارية من التشبيه، نحو : كأن زيدًا عمرو، وله كذا وكذا درهمًا، وكأَيٍّ من رجل، ثم إنها لما كثر استعمالها لها تلعبت بها العرب كأشياء يكثر تصرفها فيها لكثرة نقطها بها، فقَدَّمت الياء المشددة على الهمزة فصارت كَيَّأٍ بوزن كَيَّع،
٢ المجوف من الدواب : الذي يصعد البلق منه حتى يبلغ البطن، والأسآر : جمع سؤر؛ وهو بقية الشيء، المترص : المحكم، من ترص الشيء تراصه، فهو مترص وتريص.
٣ رُوي :"زجر" مكان "نُهي". انظر : معاني القرآن : ١/ ١٠٤، والخزانة ٢/ ٣٨٣.
٤ سورة آل عمران : ١٤٦.
٥ سورة محمد : ١٣.