ثم حذفت الياء المتحركة تشبيهًا لها بسيَّد وميت؛ فصارت "كَيْءٍ" بوزن كَيْعٍ، ثم قلبت الياء ألفًا وإن كانت ساكنة، كما قبلت في ييئس فقيل : ياءس؛ فصارت كاءٍ بوزن كَاعٍ.
وذهب يونس في "كاء" إلى أنه فاعل من الكون، وهذا يبعد؛ لأنه لو كان كذلك لوجب إعرابه؛ إذ لا مانع له من الإعراب.
وأما كأْي بوزن كَعْي، فهو مقلوب كَيْء الذي هو أصل كاء، وجاز قلبه لأمرين :
أحدهما : كثرة التلعب بهذه الكلمة.
والآخر : مراجعة أصل، ألا ترى أن أصل الكلمة كأي؟ فالهمزة إذن قيل الياء. وأما كَأٍ بوزن كَعٍ فمحذوفة من كَاءٍ، وجاز حذف الألف لكثرة الاستعمال، كما قال الراجز "٣٩و" :
أصبح قلبي صَرِدا لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا وصلِّيانا بردا
وعَنْكَثًا ملتبِدا١
يريد : عاردًا وباردًا. ألا ترى إلى قول أبي النجم :
كأن في الفُرْش العَرَادَ العاردا٢
وكما قالوا : أَمَ والله لقد كان كذا، يريد أَما، وحَذف الألف.
فإن قلت : فما مثال هذه الكلم من الفعل فإن كَأَيٍّ مثاله كفَعْل؛ وذلك أن الكاف زائدة، ومثال أَيٍّ فَعْل كطَيٍّ وزَيٍّ، مصدر طويت وزويت، وأصل أي أوى؛ لأنها فَعْلٌ من أويت، ووجه التقائها أن "أي" أين وقعت فهي بعض من كل، وهذا هو معنى أَوَيْتُ؛ وذلك أن معنى أويت إلى الشيء تساندت إليه، قال أبو النجم :
يأوي ألى مُلْط له وكَلْكَلِ٣
أي : يتساند هذا العير إلى ملاطيه وكلكله.
٢ يُروى :"القتاد" مكان "العراد". والعراد : حشيش طيب الريح. وانظر : الخصائص : ٢/ ٣٦٥.
٣ الملط : جمع ملاط؛ وهو المرفق، الكلكل : الصدر، أو هو ما بين الترقوتين، أو باطن الزور.