ونحوه قول طفيل الغنوي :
وآلت إلى أجوازها وتَقَلْقَلت قلائد في أعناقها لم تُقَضَّب١
فمعنى آلت : أي رجعت، والآوي إلى الشيء : معتصم به وراجع إليه، هذا طريق الاشتقاق.
وأما القياس فكذلك أيضًا؛ وذلك أن باب أويت وطويت وشويت مما عينه واو ولامه ياء أكثر من باب حيِيت وعَيِيت مما عينه ولامه ياءان، ولو نَسبتَ إلى "أَيّ" لقلت : أَوَويّ، كما أنك لو نسبت إلى طيّ ولَيّ لقلت : طَوَوِيّ ولَوَوِيّ، وكذلك لو أضفت إلى الري لكان قياسه رَوَويّ. وأما قولهم : رازِيّ، فشاذ بمنزلة كلابِزِي وإصطخْرِزي.
وأما "كَاءٍ" فوزنه كعف وأصله "كَيَّأٍ"، ومثاله كعلَف، فحذفت الياء الثانية وهي لام الفعل، كما حذفت الثانية من ميت، فبقي كَيْء، ووزنه كَعْف، وقَلْبُ الياء ألفًا لا يخرجها أن تكون كما كانت عينًا، ألا ترى أن وزن قام في الأصل فعل لأنه قوم، ومثال قام في اللفظ فَعْل؟ فالألف عين كما كانت الواو التي الألف بدل منها عينًا، وأيًّا كان مثال "كأي" فإنه كفع؛ لأن الهمزة التي هي فاء عادت إلى مكانها من التقدم.
وأما "كَأٍ" بوزن كَعٍ فإنه كف، والعين واللام محذوفتان.
فإن قيل : لَمَّا حذفت الياء الثانية من "كَيَّأٍ" هلا رددت الواو على مذهبك؛ لأنه قد زالت الياء التي قُلبت لها العين قبلها ياء فقدرته كَوْءٍ.
قيل : لما تُلُعِّب بالكلمة تُنوسى أصلها فصارت الياء كأنها أصل في الحرف، ودعانا إلى اعتماد هذا وإن لم تظهر الياء إلى اللفظ أن الألف أُبدلت منها وهي ساكنة، وقلب الألف من الياء الساكنة أضعاف قلبها من الواو الساكنة، ألا تراهم قالوا : حاحيت٢ وعاعيت وهاهيت، وأصلها : حيحيت وعيعيت وهيهيت، فقلبت الياء ألفًا؟
نعم، وقلبوها مكسورًا ما قبلها ألفًا، فقالوا في الحِيرة : حَارِي، كما قالوا في المفتوح

١ رُوي :"وتمت" مكان "وآلت". الأجواز : الأوساط، لم تقضب : لم تقطع. يريد أنها لما هزلت اضطربت القلائد في أعناقها. الديوان : ٨.
٢ قال في المنصف : ٣/ ٧٧ : يقال : حاحيت حيحاء وحاحاة، وهو التصويت بالغنم : إذا قلت : حاي، أنشد أبو زيد :
لَمِعزى أبيك الورق أهون شوكة عليك وحيحاء بها ونعيق
عاعيت : صوت مثله؛ وهو العيعاء والعاعاة، إذا قلت : عاي، هاهيت : صوت مثله؛ وهو الهيهاء والهاهاة، إذا قلت : هاي.


الصفحة التالية
Icon