وقَرَح كالحلْب والحلَب.... وفيه أيضًا قُرْح على فُعْل، يقرأ بهما جميعًا، ثم لا أبعد من بعد أن تكون الحاء لكونها حرفًا حلقيًّا يفتح ما قبلها كما تفتح نفسها فيما كان ساكنًا من حروف الحلق، نحو قولهم في الصخْر : الصَّخَر... ولعمري إن هذا عند أصحابنا ليس أمرًا راجعًا إلى حرف الحلق؛ لكنها لغات.
وأنا أرى في هذا رأي البغداديين في أن حرف الحلق يُؤَثر هنا من الفتح أثرًا معتدًّا معتمدًا، فلقد رأيت كثيرًا من عُقيل لا أحصيهم تُحرك من ذلك ما لا يتحرك أبدًا لولا حرف الحلق، وهو قول بعضهم : نحَوه، يريد : نحوه، وهذا ما لا توقف في أنه أمر راجع إلى حرف الحلق؛ لأن الكلمة بنيت عليه ألبتة، وبعد أن دلل على ذلك، وذكر ما سمعه من الشجري قال : ولا قرابة بيني وبين البصريين؛ لكنها بيني وبين الحق، والحمد لله.
وقد سمع ابن جني من عرب عُقيل، ونقل عمن يثق بعربيته منهم إلى المحتسب وغيره، كما فعل سيبويه من قبل؛ فتراه يقول في المحتسَب مثلًا : حضرني قديمًا بالموصل أعرابي عُقيلي، أو رأيت كثيرًا من عُقيل لا أحصيهم، أو سمعت غلامًا حدثًا من عُقيل... وهكذا.
ويبدو أن سبب اختصاصه بني عُقيل بالأخذ والرواية أنهم كانوا بالكوفة والبلاد الفراتية والجزيرة والموصل، هاجروا إليها بعدما غُلبوا على مساكنهم في البحرين١.
وأفاد ابن جني في الاحتجاج للشواذ من لهجات القبائل، يرجع إليها ويُخرِّج على مقتضاها؛ ولهذا ورد في المحتسب كثير منها. وقد أفرد المرحوم الأستاذ تيمور ثبتًا لهذه اللهجات في صدر كل جزء من جزأي نسخة المحتسب المحفوظة في خزانته، رحمه الله.
ويذكرابن جني في المحتسب طائفة من أصول العربية وقواعدها العامة : من لغوية ونحوية وعروضية، دعته دواعي الاحتجاج وتأييد الرأي إلى إيرادها في مواطن شتَّى من الكتاب؛ من مثل : العرب إذا انطقت بالأعجمي خلَّطت فيه٢، ويجوز مع طول الكلام ما لا يجوز مع قصره٣، ووقوع الواحد موقع الجماعة فاش في اللغة٤، والخطاب بالتاء أذهب في قوة الخطاب٥، والقوافي حوافر الشعر، وتشبع العرب

١ صبح الأعشى : ١/ ٣٤٢.
٢ انظر : الاحتجاج لقراءة "إسراييل" بلا همز، سورة البقرة : ٤٠.
٣ انظر : الاحتجاج لقراءة :"فأمتعه قليلًا ثم اضطره" على الدعاء، سورة البقرة : ١٢٦.
٤ انظر : الاحتجاج لقراءة :"وملائكته وكتابه" على التوحيد، سورة النساء : ١٣٦.
٥ انظر : الاحتجاج لقراءة :"فبذلك فلتفرحوا" بالتاء، سورة يونس : ٥٨.


الصفحة التالية
Icon