ومن ذلك قراءة الحسن والزهري :"أَوْ كَانُوا غُزًا"١ خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح : وجهه عندي أن يكون أراد غزاة، فحذف الهاء إخلادًا إلى قراءة من قرأ :"غُزَّى" بالتشديد، ولا يُستنكر هذا؛ فإن الحرف إذا كان فيه لغتان متقاربتان فكثيرًا ما تتجاذب هذه طرفًا من حكم هذه.
قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن٢ عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير :
إذا خفتهم أو سآيلتهم وجدتَ بهم علة حاضره٣
وذلك أنه يقال : سألته عن حاله وسايلته على البدل، فلما ألف استماعهما تجاذبتا لفظه فجمع بينهما "٤٠و" فيه لتداخلهما وتزاحم حروفهما، وقد حُذفت تاء التأنيث في أماكن قد ذكرناها : ناحٍ في ناحية، ومألُك في مألُكة. وأنشد ابن الأعرابي للعتابي يمدح الكسائي :
أبَى الذمَّ أخلاق الكسائي وانتحى به المجد أخلاق الأُبُو السوابق٤
يريد : الأبوة جمع أب، كالعمومة جمع عم، والْخُئولة جمع خال، وهذا عندي أمثل من أن يكون خرَّج "أُبُوًّا" على أصله من الصحة، وأن يكون من باب نَحْو ونُحوّ، وبَهْو وبُهُو للصدر، ونجو ونجو للسحاب، وعلى أنه قد يمكن أن تكون الهاء مرادة في جميع ذلك، وقد قالوا أيضًا : ابن وبُنُوّ، والقول فيهما سواء.
ووجه آخر؛ وهو أن يكون مخففًا من "غُزًّى"، ونظيره قراءة علي عليه السلام :"وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَابًا"٥، وبابه "كذَّابًا" كقراءة الجماعة. وقد يجوز أن يكون "كِذَابًا" مصدر كذَب الخفيفة، جرى على الثقيلة لدلالة الفعل على صاحبه، والقول الأول أقوى.
ومن ذلك قراءة ابن عباس فيما رواه عنه عمرو :"وشاوِرْهُمْ في بَعْض الأمر"٦.
٢ هو محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن عبيد الله بن مقسم أبو بكر العطار المقرئ النحوي عالم بالعربية، حافظ للغة، حسن التصنيف، مشهور بالضبط والإتقان؛ إلا أنه سلك مسلك ابن شنبوذ، فاختار حروفًا خالف فيها أئمة العامة، ولد سنة ٢٦٥، وتوفي سنة ٣٥٥، وقيل : سنة ٣٥٤. بغية الوعاة : ٣٦.
٣ انظر : الخصائص : ٣/ ١٤٦، ٢٨٠.
٤ انظر : البحر المحيط : ٣/ ٩٣.
٥ سورة النبأ : ٢٨، وبالتخفيف يقرأ الكسائي. إتحاف فضلاء البشر : ٢٦٦.
٦ سورة آل عمران : ١٥٩.